آثار البلاد وأخبار العباد-زكريا بن محمد بن محمود القزويني
يقع الكتابُ في خُطْبَةٍ وثلاث مقدمات، كانت المقدمة الأولى في الحاجة إلى المدن والقرى، وكانت المقدمة الثانية في خواص البلاد، والمقدمة الأخيرة جعلها المؤلف في أقاليم الأرض. والكتاب مَرْجِعٌ مُهِمٌّ في التاريخ والعمران البشري
خطبة الكتاب
المقدمة الاولى في الحاجة إلى المدن والقرى
المقدمة الثانية في خواص البلاد
الفصل الثاني
المقدمة الثالثة في أقاليم الأرض
الاقليم الاول
جاوة
جزاير الخالدات
جزيرة الرامني
جزيرة زانج
جزيرة سكسار
جزيرة القصار
جزيرة واق واق
حضرموت
ذات الشعبين
ذمار
سبأ
سفالة
سلوق
سندابل
شمخ
صنعاء
الصين
غدامس
كاكدم
كنام
كوار
لنجوية
مأرب
مرباط
مقرى
مهرة
الاقليم الثاني
الأبلق
أجأ وسلمى
البحرين
بدر
تبت
تكناباذ
جاجلى
جزيرة
جزيرة سقطرى
جزيرة السلامط
جزيرة سيلان
جزيرة الشجاع
جزيرة القصر
الحجاز
المشقق
خط
رحا
زويلة
سومناة
صنف
صيمور
الطائف
عدن
فاس
قبا
قمار
مدينة يثرب
مغمس
مراكش
مكة
ملتان
منىً
مندورفين
الندهة
يترب
الاقليم الثالث
أبرقوه
أبسوج
أبيار
أجر
إخميم
أرجان
أريحا
الإسكندرية
أسيوط
إصطخر
إفريقية
أنطاكية
أنطرطوس
أورم الجوز
أيلة
باميان
بلرم
بنارق
بنزرت
البيضاء
تاهرت
تنس
تونس
الجابية
جاشك
جالطة
جزيرة تنيس
جنابة
مدينة نزهة
جيزة
حلب
حمص
الحيرة
خبيص
دارابجرد
دمشق
دمندان
دورق
دير أتريب
دير أيوب
دير طور سينا
دير نهيا
الرقادة
سبتة
سجستان
سخا
سنجل
سنون
سيلون
شطا
شعب بوان
الصعيد
صفين
صقلية
طبرستان
طبرية
عين جارة
عين الشمس
الغوطة
الفسطاط
الفيوم
القادسية
القاهرة
قرية صاهك
قلعة النجم
كابل
كاريان
كركويه
كفرمندة
كفرنجد
كلز
كوزا
اللاذقية
مدين
المرقب
مريوط
مليانة
منبج
منف
منية هشام
مورجان
ناصرة
هنديان
الإقليم الرابع
آذربيجان
آمل
أبلة
إربل
اردبهشتك
أردبيل
أرسلان كشاد
أرمية
أسفرايين
اشتروين
إيذج
إيراوه
بابل
بدخشان
برقعيد
بسطام
بغداد أم الدنيا
بلخ مدينة عظيمة من أمهات بلاد خراسان.
بلور
باخرز بلدة من بلاد خراسان.
بيهق
جرباذقان
جرجان
جوهسته
جوين
جيلان
الحويزة
خاوران
خراسان
خوار
خوست
داوردان
دور
ديار بكر
دير حزقيل
دير الخنافس
دير متى
دير مر توما بميافارقين
روذراور
رويان
الري
زاوه
زز
سبران
سرخس
سلماس
سميرم
شاذياخ
شكمبة
شهرستان
طبرستان
طروز
طوس
طيزناباد
عبادان
عبد الله اباذ
عزان
غرشستان
فم الدبل
قاشان
قصران
كركان
كسكر
ليخواست
المدائن
المشان
ميسان
نصراباذ
نينوى
واسط
ورجند
همذان
يمكان
الاقليم الخامس
أران
أرزن الروم
الأشبونة
اشبيلية
إلبيرة
ألش
بتم
بجانة
برذعة
بلقوار
بلنسية
بيلقان
وجرجانية
جنزة
ختلان
خلاط
خوي
خيوق
رندة
روين دز
زمخشر
سمرقند
شاطبة
شغنسة
شلب
شنترين
شنت مرية
صغد
طراز
طليطلة
غنجرة
فراغة
فرمنتيرة
فهمين
قادس
قرطبة
قلعة اللان
كش
لبلة
لشبونة
لورقة
مالطة
مربيطر
ملطية
موغان
هرقلة
هزاراسب
والوطة
يونان
الاقليم السادس
أبولدة
أفرنجة
ايرلاندة
باكويه
برطاس
بلاد بجناك
بلاد بجا
بلاد بغراج
بلاد تاتار
بلاد جكل
بلاد الختيان
بلاد الخرلخ
بلاد الخزر
بلدة بهى
رومية
شابر
شروان
شلشويق
شناس
قسطنطينية
مدينة النساء
مغانجة
الاقليم السابع
شوشيط
صقلاب
يورا
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الكتاب
العز لك والجلال لكبريائك والعظمة لثنائك والدوام لبقائك يا قديم الذات ومفيض الخيرات.
أنت الأول لا شيء قبلك وأنت الآخر لا شيء بعدك وأنت الفرد لا شريك لك.
يا واهب العقول وجاعل النور والظلمات منك الابتداء وإليك الانتهاء وبقدرتك تكونت الأشياء وبإرادتك قامت الأرض والسموات أفض علينا أنوار معرفتك وطهر نفوسنا عن كدورات معصيتك وألهمنا موجبات رحمتك ومغفرتك ووفقنا لما تحب وترضى من الخيرات والسعادات وصل على ذوي الأنفس الطاهرات والمعجزات الباهرات خصوصاً على سيد المرسلين وإمام المتقين وقايد الغر المحجلين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم أفضل الصلوات وعلى آله وأصحابه الطيبين والطيبات وعلى الذين اتبعوهم بإحسان من أهل السنة والجماعات.
يقول العبد زكرياء بن محمد بن محمود القزويني تولاه الله بفضله بعد حمد الله حمداً يرضيه ويوجب مزيد فضله وأياديه: إني قد جمعت في هذا الكتاب ما وقع لي وعرفته وسمعت به وشاهدته من لطايف صنع الله تعالى وعجايب حكمته المودعة في بلاده وعباده ويأمر بالإحسان والبرّ والتّقى وينهى عن الطّغيان والشرّ والأذى ومن انتفع بكتابي هذا وذكرني بالخير جعله الله من الأبرار ورفع درجاته في عقبى الدار.
وأسأل الله تعالى العفو عما طغى به القلم أو هم أو سها بذلك أو لم إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
ولنقدم على المقصود مقدمات لا بد منها لحصول تمام الغرض والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب.
المقدمة الاولى
في الحاجة الداعية إلى إحداث المدن والقرى
اعلم أن الله تعالى خلق الإنسان على وجه لا يمكنه أن يعيش وحده كساير الحيوانات بل يضطر إلى الاجتماع بغيره حتى يحصل الهيئة الاجتماعية التي يتوقف عليها المطعم والملبس فإنهما موقوفان على مقدمات كثيرة لا يمكن لكل واحد القيام بجميعها وحده.
فإن الشخص الواحد كيف يتولى الحراثة فإنها موقوفة على آلاتها وآلاتها تحتاج إلى النجار والنجار يحتاج إلى الحداد وكيف يقوم بأمر الملبوس وهو موقوف على الحراثة والحلج والندف والغزل والنسج وتهيئة آلاتها فاقتضت الحكمة الإلهية الهيئة الاجتماعية وألهم كل واحد منهم القيام بأمر من تلك المقدمات حتى ينتفع بعضهم ببعض فترى الخباز يخبز الخبز والعجان يعجنه والطحان يطحنه والحراث يحرثه والنجار يصلح آلات الحراث والحداد يصلح آلات النجار وهكذا الصناعات بعضها موقوفة على البعض.
وعند حصول كلها يتم الهيئة الاجتماعية ومتى فقد شيء من ذلك فقد اختلت الهيئة الاجتماعية كالبدن إذا فقد بعض أعضائه فيتوقف نظام معيشة الإنسان.
ثم عند حصول الهيئة الاجتماعية لو اجتمعوا في صحراء لتأذوا بالحر والبرد والمطر والريح ولو تستروا بالخيام والخرقاهات لم يأمنوا مكر اللصوص والعدو ولو اقتصروا على الحيطان والأبواب كما ترى في القرى التي لا سور لها لم يأمنوا صولة ذي البأس فألهمهم الله تعالى اتخاذ السور والخندق والفصيل فحدثت المدن والأمصار والقرى والديار.
ثم إن الملوك الماضية لما أرادوا بناء المدن أخذوا آراء الحكماء في ذلك فالحكماء اختاروا أفضل ناحية في البلاد وأفضل مكان في الناحية وأعلى منزل في المكان من السواحل والجبال ومهب الشمال لأنها تفيد صحة أبدان أهلها وحسن أمزجتها واحترزوا من الآجام والجزائر وأعماق الأرض فإنها تورث كرباً وهرماً.
واتخذوا للمدن سوراً حصيناً مانعاً وللسور أبواباً عدة حتى لا يتزاحم الناس بالدخول والخروج بل يدخل ويخرج من أقرب باب إليه.
واتخذوا لها قهندزاً لمكان ملك المدينة والنادي لاجتماع الناس فيه وفي البلاد الإسلامية المساجد والجوامع والأسواق والخانات والحمامات ومراكض الخيل ومعاطن الإبل ومرابض الغنم وتركوا بقية مساكنها لدور السكان فأكثر ما بناها الملوك العظماء على هذه الهيئة فترى أهلها موصوفين بالأمزجة الصحيحة والصور الحسنة والأخلاق الطيبة وأصحاب الآراء الصالحة والعقول الوافرة واعتبر ذلك بمن مسكنه لا يكون كذلك مثل الديالم والجيل والأكراد والتركمان وسكان البحر في تشويش طباعهم وركاكة عقولهم واختلاف صورهم.
ثم اختصت كل مدينة لاختلاف تربتها وهوائها بخاصية عجيبة وأوجد الحكماء فيها طلسمات غريبة ونشأ بها صنف من المعادن والنبات والحيوان لم يوجد في غيرها وأحدث بها أهلها عمارات عجيبة ونشأ بها أناس فاقوا أمثالهم في العلوم والأخلاق والصناعات فلنذكر ما وصل إلينا من خاصية بقعة بقعة إن شاء الله تعالى.
المقدمة الثانية
في خواص البلاد
الفصل الأول
في تأثير البلاد في سكانها
قالت الحكماء: إن الأرض شرق وغرب وجنوب وشمال فما تناهى في التشريق وتحج منه نور المطلع فهو مكروه لفرط حرارته وشدة إحراقه فإن الحيوان يحترق بها والنبات لا ينبت وما تناهى في التغريب أيضاً مكروه لموازاته التشريق في المعنى الذي ذكرناه وما تناهى في الشمال أيضاً مكروه لما فيه من البرد الشديد الذي لا يعيش الحيوان معه وما تناهى في الجنوب أيضاً كذلك لفرط الحرارة فإنها أرض محترقة لدوام مسامتة الشمس إياها.
فالذي يصلح للسكنى من الأرض قدر يسير هو أوساط الإقليم الثالث والرابع والخامس وما سوى ذلك فأهلها معذبون والعذاب عادة لهم وقالوا أيضاً: المساكن الحارة موسعة للمسام مرخية للقوى مضعفة للحرارة العريزية محللة للروح فتكون أبدان سكانها متخلخلة ضعيفة وقلوبهم خائفة وقواهم ضعيفة لضعف هضمهم.
وأما المساكن الباردة فإنها مصلبة للبدن مسددة للمسام مقوية للحرارة العزيزية فتكون أبدان سكانها صلبة وفيهم الشجاعة وجودة القوى والهضم الجيد.
فإن استيلاء البرد على ظاهر وأما المساكن الرطبة فلا يسخن هواؤهم شديداً ولا يبرد شتاؤهم قوياً وسكانها موصوفون بالسحنة الجيدة ولين الجلود وسرعة قبول الكيفيات والاسترخاء في الرياضات وكلال القوى.
وأما المساكن اليابسة فتسدد المسام وتورث القشف والنحول ويكون صيفها حاراً وشتاؤها بارداً وأدمغة أهلها يابسة لكن قواهم حادة.
وأما المساكن الحجرية فهواؤها في الصيف حار وفي الشتاء بارد وأبدان أهلها صلبة وعندهم سوء الخلق والتكبر والاستبداد في الأمور والشجاعة في الحروب.
وأما المساكن الآجامية والبحرية فهي في حكم المساكن الرطبة وأنزل حالاً وقد جرى ذكر المساكن الرطبة.
الفصل الثاني
في تأثير البلاد في المعادن والنبات والحيوان
أما المعادن فالذهب لا يتكون إلا في البراري الرملة والجبال الرخوة والفضة والنحاس والرصاص والحديد لا يتكون إلا في الأحجار المختلطة بالتراب اللين والكبريت لا يتكون إلا في الأراضي النارية والزيبق لا يتكون إلا في الأراضي المائية والأملاح لا تنعقد إلا في الأراضي السبخة والشبوب والزاجات لا تتكون إلا في التراب العفص والقار والنفط لا يتكون إلا في الأراضي الدهنة أما تولد الأحجار التي لها خواص فلا يعلم معادنها وسببها إلا الله تعالى.
وأما النبات فإن النخل والموز لا ينبتان إلا بالبلاد الحارة وكذلك الأترج والنارنج والرمان والليمون وأما الجوز واللوز والفستق فلا ينبت إلا بالبلاد الباردة والقصب على شطوط الأنهار وكذا الدلب والمغيلان بالأراضي الصلبة والبراري القفار والقرنفل لا ينبت إلا بجزيرة بأرض الهند والنارجيل والفلفل والزنجبيل لا ينبت إلا بالهند وكذلك الساج والآبنوس والورس لا ينبت إلا باليمن والزعفران بأرض الجبال بروذراورد وقصب الذريرة بأرض نهاوند والترنجبين يقع على شوك بخراسان.
وأما الحيوان فإن الفيل لا يتولد إلا في جزائر البحار الجنوبية وعمرها بأرض الهند أطول من عمرها بغير أرض الهند وأنيابها لا تعظم مثل ما تعظم بأرضها والزرافة لا تتولد إلا بأرض الحبشة والجاموس لا يتولد إلا بالبلاد الحارة قرب المياه ولا يعيش بالبلاد الباردة وعير العانة ليس له سفاد في غير بلاده كما يكون ذلك في بلاده ويحتاج أن يؤخذ من حافره ولا كذلك في بلاده والسنجاب والسمور وغزال المسك لا يتولد إلا في البلاد الشرقية الشمالية والصقر والبازي والعقاب لا يتفرخ إلا على رؤوس الجبال الشامخة والنعامة والقطا لا يفرخان إلا في الفلوات والبطوط وطيور الماء لا تفرخ إلا في شطوط الأنهار والبطائح والآجام والفواخت والعصافير لا تفرخ إلا في العمارات والبلابل والقنابر لا تفرخ إلا في البساتين والحجل لا يفرخ إلا في الجبال هذا هو الغالب فإن وقع شيء على خلاف ذلك فهو نادر.
والله الموفق للصواب.
المقدمة الثالثة في أقاليم الأرض
قال أبو الريحان الخوارزمي: إذا فرضنا أن دائرة معدل النهار تقطع كرة الأرض بنصفين: يسمى أحد النصفين جنوباً والآخر شمالاً.
وإذا فرضنا دائرة تعبر عن قطبي معدل النهار وتقطع الأرض صارت كرة الأرض أربعة أرباع: ربعان جنوبيان وربعان شماليان فالربع الشمالي المكشوف يسمى ربعاً مسكوناً والربع المسكون مشتمل على البحار والجزائر والأنهار والجبال والمفاوز والبلدان والقرى على أن ما بقي منها تحت قطب الشمال قطعة غير مسكونة من افراط البرد وتراكم الثلوج وهذا الربع المسكون قسموه سبعة أقسام كل قسم يسمى إقليماً كأنه بساط مفروش من الشرق إلى الغرب طولاً ومن الجنوب إلى الشمال عرضاً وإنها مختلفة الطول والعرض فأطولها وأعرضها الإقليم الأول فإن طوله من المشرق إلى المغرب نحو من ثلاثة آلاف فرسخ وعرضه من الجنوب إلى الشمال نحو من مائة وخمسين فرسخاً وأقصرها طولاً وعرضاً الإقليم السابع فإن طوله من المشرق إلى المغرب نحو من ألف وخمسمائة فرسخ وعرضه من الجنوب إلى الشمال نحو من خمسين فرسخاً.
وأما سائر الأقاليم فمختلف طولها وعرضها وعلى الصفحة المقابلة صورة كرة الأرض بأقاليمها.
وهذه القسمة ليست قسمة طبيعية لكنها خطوط وهمية وضعها الأولون الذين طافوا بالربع المسكون من الأرض ليعلموا بها حدود الممالك والمسالك مثل افريدون النبطي واسكندر الرومي واردشير الفارسي وإذا جاوزوا الأقاليم السبعة فمنعهم من سلوكها البحار الزاخرة والجبال الشامخة والأهوية المفرطة التغير في الحرب والبرد والظلمة في ناحية الشمال تحت مدار بنات النعش فإن البرد هناك مفرط جداً لأن ستة أشهر هناك شتاء وليل فيظلم الهواء ظلمة شديدة ويجمد الماء لشدة البرد فلا حيوان هناك ولا نبات.
وفي مقابلتها من ناحية الجنوب تحت مدار سهيل يكون ستة أشهر صيفاً نهاراً كله فيحمى الهواء ويصير ناراً سموماً يحرق كل شي فلا نبات ولا حيوان هناك.
وأما جانب المغرب فيمنع البحر المحيط السلوك فيه لتلاطم الأمواج.
وأما جانب المشرق فيمنع البحر والجبال الشامخة فإذا تأملت وجدت الناس محصورين في الأقاليم السبعة وليس لهم علم بحال بقية الأرض.
فلنذكر ما وصل إلينا بقعة بقعة في إقليم إقليم مرتبة على حروف المعجم والله الموفق للسداد والهادي إلى سواء الصراط.
الاقليم الاول
فجنوبيه ما يلي بلاد الزنج والنوبة والحبشة وشماليه الإقليم الثاني وأوله حيث يكون الظل نصف النهار إذا استوى الليل والنهار قدماً واحدة ونصفاً وعشراً وسدس عشر قدم وآخره حيث يكون ظل الاستواء فيه نصف النهار قدمين وثلاثة أخماس قدم.
وقد يبتديء من أقصى المشرق من بلاد الصين ويمر على ما يلي الجنوب من الصين جزيرة سرنديب وعلى سواحل البحر في جنوب الهند ويقطع البحر إلى جزيرة العرب ويقطع بحر قلزم إلى بلاد الحبشة ويقطع نيل مصر وأرض اليمن إلى بحر المغرب فوقع في وسطه من أرض صنعاء وحضرموت ووقع طرفه الذي يلي الجنوب أرض عدن ووقع في طرفه الذي يلي الشمال بتهامة قريباً من مكة.
ويكون أطول نهار هؤلاء اثنتي عشرة ساعة ونصف الساعة في ابتدائه وفي وسطه ثلاث عشرة ساعة وفي آخره ثلاث عشرة ساعة وربع الساعة.
وطوله من المشرق إلى المغرب تسعة آلاف ميل وسبعمائة واثنان وسبعون ميلاً وإحدى وأربعون دقيقة وعرضه أربعمائة ميل واثنان وأربعون ميلاً واثنتان وعشرون دقيقة وأربعون ثانية ومساحته مكسراً أربعة آلاف ألف وثلاثمائة ألف وعشرون ألف ميل وثمانمائة وسبعة وسبعون ميلاً وإحدى وعشرون دقيقة إرم ذات العماد بين صنعاء وحضرموت من بناء شداد بن عاد روي أن شداد بن عاد كان جباراً من الجبابرة لما سمع بالجنة وما وعد الله فيها أولياءه من قصور الذهب والفضة والمساكن التي تجري من تحتها الأنهار والغرف التي فوقها غرف قال: إني متخذ في الأرض مدينة على صفة الجنة فوكل بذلك مائة رجل من وكلائه تحت يد كل وكيل ألف من الأعوان وأمرهم أن يطلبوا أفضل فلاة من أرض اليمن ويختاروا أطيبها تربة.
ومكنهم من الأموال ومثل لهم كيفية بنائها وكتب إلى عماله في سائر البلدان أن يجمعوا جميع ما في بلادهم من الذهب والفضة والجواهر فجمعوا منها صبراً مثل الجبال فأمر باتخاذ اللبن من الذهب والفضة وبنى المدينة بها وأمر أن يفضض حيطانها بجواهر الدر والياقوت والزبرجد وجعل فيها غرفاً فوقها غرف أساطينها من الزبرجد والجزع والياقوت.
ثم أجرى إليها نهراً ساقه إليها من أربعين فرسخاً تحت الأرض فظهر في المدينة فأجرى من ذلك النهر سواقي في السكك والشوارع وأمر بحافتي النهر والسواقي فطليت بالذهب الأحمر وجعل حصاه أنواع الجواهر الأحمر والأصفر والأخضر ونصب على حافتي النهر والسواقي أشجاراً من الذهب وجعل ثمارها من الجواهر واليواقيت.وجعل طول المدينة اثني عشر فرسخاً وعرضها مثل ذلك وصير سورها عالياً مشرفاً وبنى فيها ثلاثمائة ألف قصر مفضضاً بواطنها وظواهرها بأصناف الجواهر.
ثم بنى لنفسه على شاطيء ذلك النهر قصراً منيفاً عالياً يشرف على تلك القصور كلها وجعل بابه يشرع إلى واد رحيب ونصب عليه مصراعين من ذهب مفضض بأنواع اليواقيت.
وجعل ارتفاع البيوت والسور ثلاثمائة ذراع.
وجعل تراب المدينة من المسك والزعفران.
وجعل خارج المدينة مائة ألف منظرة أيضاً من الذهب والفضة لينزلها جنوده.
ومكث في بنائها خمسمائة عام فبعث الله تعالى إليه هوداً النبي عليه السلام فدعاه إلى الله تعالى فتمادى في الكفر والطغيان.
وكان إذ ذاك تم ملكه سبعمائة سنة فأنذره هود بعذاب الله تعالى وخوفه بزوال ملكه فلم يرتدع عما كان عليه.
وعند ذلك وافاه الموكلون ببناء المدينة وأخبروه بالفراغ منها فعزم على الخروج إليها في جنوده وخرج في ثلاثمائة ألف رجل من أهل بيته وخلف على ملكه مرثد بن شداد ابنه وكان مرثد فيما يقال مؤمناً بهود عليه السلام.
فلما انتهى شداد إلى قرب المدينة بمرحلة جاءت صيحة من السماء فمات هو وأصحابه وجميع من كان في أمر المدينة من القهارمة والصناع والفعلة وبقيت لا أنيس بها فأخفاها الله لم يدخلها بعد ذلك إلا رجل واحد في أيام معاوية يقال له عبد الله بن قلابة فإنه ذكر في قصة طويلة ملخصها أنه خرج من صنعاء في طلب إبل ضلت فأفضى به السير إلى مدينة صفتها ما ذكرنا فأخذ منها شيئاً من المسك والكافور وشيئاً من الياقوت وقصد الشام وأخبر معاوية بالمدينة وعرض عليه ما أخذه من الجواهر وكانت قد تغير بطول الزمان.
فأحضر معاوية كعب الأحبار وسأله عن ذلك فقال: هذا إرم ذات العماد التي ذكرها الله تعالى في كتابه بناها شداد بن عاد لا سبيل إلى دخولها ولا يدخلها إلا رجل واحد صفته كذا وكذا.
وكانت تلك الصفة صفة عبد الله ابن قلابة فقال له معاوية: أما أنت يا عبد الله فأحسنت النصح ولكن لا سبيل لها.
وأمر له بجائزة.
وحكي أنهم عرفوا قبر شداد بن عاد بحضرموت وذلك أنهم وقعوا في حفيرة وهي بيت في جبل منقورة مائة ذراع في أربعين ذراعاً وفي صدره سرير عظيم من ذهب عليه رجل عظيم الجسم وعند رأسه لوح فيه مكتوب: اعتبر يا أيّها المغرور بالعمر المديد أنا شدّاد بن عادٍ صاحب القصر المشيد وأخو القوّة والبأساء والملك الحسيد فدعانا لو قبلناه إلى الأمر الرّشيد فعصيناه ونادينا: ألا هل من محيد فأتتنا صيحةٌ تهوي من الأفق البعيد فشوينا مثل زرعٍ وسط بيداءٍ حصيد والله الموفق للصواب.
البجة بلاد متصلة بأعلى عيذاب في غرب منه أهلها صنف من الحبش بها معادن الزمرذ يحمل منها إلى سائر الدنيا ومعادنه في جبال هناك وزمرذها أحسن أصناف الزمرذ الأخضر السلقي الكثير المائية يسقى المسموم منه فيبرأ وإذا نظرت الأفعى إلي سالت حدقتها.
بكيل مخلاف باليمن قال عمارة في تاريخه: بهذا المخلاف نوع من الشجر لأقوام معينين في أرض لهم وهم يشحون به ويحفظونه من غيرهم مثل شجر البلسان بأرض مصر وليس ذلك الشجر إلا لهم يأخذون منه سماً يقتل به الملوك وذكر أن ملوك بني نجاح ووزراءهم أكثرهم قتلوا بهذا بلاد التبر هي بلاد السودان في جنوب المغرب قال ابن الفقيه: هذه البلاد حرها شديد جداً.
أهلها بالنهار يكونون في السراديب تحت الأرض والذهب ينبت في رمل هذه البلاد كما ينبت الجزر بأرضنا وأهلها يخرجون عند بزوغ الشمس ويقطفون الذهب وطعامهم الذرة واللوبيا ولباسهم جلود الحيوانات وأكثر ملبوسهم جلد النمر والنمر عندهم كثير.
ومن سجلماسة إلى هذه البلاد ثلاثة أشهر والتجار من سجلماسة يمشون إليها بتعب شديد وبضايعهم الملح وخشب الصنوبر وخشب الأرز وخرز الزجاج والاسورة والخواتيم منه والحلق النحاسية.
وعبورهم على براري معطشة فيها سمايم بماء فاسد لا يشبه الماء إلا في الميعان والسمايم تنشف المياه في الأسقية فلا يبقى الماء معهم إلا أياماً قلائل.
فيحتالون بأن يستصحبوا معهم جمالاً فارغة من الأحمال ويعطشونها قبل ورودهم الماء الذي يدخلون منه في تلك البراري ثم أوردوها على الماء نهلاً وعللاً حتى تمتلي أجوافها ويشدون أفواهها كي لا تجتر فتبقى الرطوبة في أجوافها فإذا نشف ما في أسقيتهم واحتاجوا إلى الماء نحروا جملاً جملاً وترمقوا بما في وهكذا ساروا بعناء شديد حتى قدموا الموضع الذي يحجز بينهم وبين أصحاب التبر فعند ذلك ضربوا طبولاً ليعلم القوم وصول القفل.
يقال: انهم في مكان وأسراب من الحر وعراة كالبهائم لا يعرفون الستر.
وقيل: يلبسون شيئاً من جلود الحيوان فإذا علم التجار أنهم سمعوا صوت الطبل أخرجوا ما معهم من البضائع المذكورة فوضع كل تاجر بضاعته في جهة منفردة عن الأخرى وذهبوا وعادوا مرحلة فيأتي السودان بالتبر ووضعوا بجنب كل متاع شيئاً من التبر وانصرفوا.
ثم يأتي التجار بعدهم فيأخذ كل واحد ما وجد بجنب بضاعته من التبر ويترك البضاعة وضربوا بالطبول وانصرفوا ولا يذكر أحد من هؤلاء التجار أنه رأى أحداً منهم.
بلاد الحبشة هي أرض واسعة شمالها الخليج البربري وجنوبها البر وشرقها الزنج وغربها البجة.
الحر بها شديد جداً وسواد لونهم لشدة الاحتراق وأكثر أهلها نصارى يعاقبة والمسلمون بها قليل.
وهم من أكثر الناس عدداً وأطولهم أرضاً لكن بلادهم قليلة وأكثر أرضهم صحارى لعدم الماء وقلة الأمطار وطعامهم الحنطة والدخن وعندهم الموز والعنب والرمان ولباسهم الجلود والقطن.ومن الحيوانات العجيبة عندهم: الفيل والزرافة.
ومركوبهم البقر يركبونها بالسرج واللجام مقام الخيل وعندهم من الفيلة الوحشية كثير وهم يصطادونها.
فأما الزرافة فإنها تتولد عندهم من الناقة الحبشية والضبعان وبقر الوحش يقال لها بالفارسية اشتركاوبلنك رأسها كرأس الإبل وقرنها كقرن البقر وأسنانها كأسنانه وجلدها كجلد النمر وقوائمها كقوائم البعير وأظلافها كأظلاف البقر وذنبها كذنب الظباء ورقبتها طويلة جداً ويداها طويلتان ورجلاها قصيرتان.
وحكى طيماث الحكيم أنه بجانب الجنوب قرب خط الاستواء في الصيف تجتمع حيوانات مختلفة الأنواع على مصانع الماء من شدة العطش والحر فيسفد نوع غير نوعه فتولد حيوانات غريبة مثل الزرافة فإنها من الناقة الحبشية والبقرة الوحشية والضبعان وذلك أن الضبعان يسفد الناقة الحبشية فتأتي بولد عجيب من الضبعان والناقة فإن كان ذلك الولد ذكراً ويسفد البقرة الوحشية أتت بالزرافة.
ولهم ملك مطاع يقال له أبرهة بن الصباح.
ولما مات ذو يزن وهو آخر الأدواء من ملوك اليمن استولى الحبشة على اليمن وكان عليها أبرهة من قبل النجاشي فلما دنا موسم الحج رأى الناس يجهزون للحج فسأل عن ذلك فقالوا: هؤلاء يحجون بيت الله بمكة.
قال: فما هو قالوا: بيت من حجارة.
قال: لأبنين لكم بيتاً خيراً منه! فبنى بيتاً من الرخام الأبيض والأحمر والأصفر والأسود وحلاه بالذهب والفضة ورصعه بالجواهر وجعل أبوابه من صفائح من ذهب وجعل للبيت سدنة ودنه بالمندلي وأمر الناس بحجه وسماه القليس وكتب إلى النجاشي: إني بنيت لك كنيسة ما لأحد من الملوك مثلها! أريد أصرف إليه حج العرب.
فسمع بذلك رجل من بني مالك بن كنانة انتهز الفرصة حتى وجدها خالية فقعد فيها ولطخها بالنجاسة.
فلما عرف ابرهة ذلك اغتاظ وآلى أن يمشي إلى مكة ويخرب الكعبة غيظاً على العرب.
فجمع عساكره من الحبشة ومعه اثنا عشر فيلاً فلما دنا من مكة أمر أصحابه بالتأهب والغارة فأصابوا مائتي إبل لعبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعث أبرهة رسولاً إلى مكة يقول: إني ما جئت لقتالكم إلا أن تقاتلوني! وإنما جئت لخراب هذا البيت والانصراف عنكم! فقال عبد المطلب وهو رئيس مكة إذ ذاك: ما لنا قوة قتالك وللبيت رب يحفظه هو بيت الله ومبنى خليله! فذهب عبد المطلب إليه فقيل له: إنه صاحب عير مكة وسيد قريش فأدخله وكان عبد المطلب رجلاً وسيماً جسيماً فلما رآه أكرمه فقال له الترجمان: الملك يقول ما حاجتك فقال: حاجتي مائتا بعير أصابها.
فقال ابرهة للترجمان: قد كنت أعجبتني حين رأيتك وقد زهدت فيك لأني جئت لهدم بيت هو دينك ودين آبائك! جئت ما تكلمت فيه وتكلمت في الإبل! فقال عبد المطلب: أنا رب هذه العير وللبيت رب سيمنعه! فرد إليه إبله فعاد عبد المطلب وأخبر القوم بالحال فهربوا وتفرقوا في شعاب الجبال خوفاً فأتى عبد المطلب الكعبة وأخذ بحلقة الباب وقال: جرّوا جميع بلادهم والفيل كي يسبوا عيالك! عمدوا حماك بجهلهم كيداً وما رقبوا حلالك لاهمّ إنّ المرء يم نع حلّه فامنع حلالك لا يغلبنّ صليبهم ومحالهم أبداً محالك إن كنت تاركهم وكع بتنا فأمرٌ ما بدا لك! وترك عبد المطلب الحلقة وتوجه مع قومه في بعض الوجوه فالحبش قاموا بفيلهم قاصدين مكة فبعث الله من جانب البحر طيراً أبابيل مثل الخطاف مع كل طائر ثلاثة أحجار: حجران في رجليه وحجر في منقاره على شكل الحمص.
فلما غشين القوم أرسلنها عليهم فلم تصب أحداً إلا هلك فذلك قوله تعالى: وارسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول.ومنها النجاشي الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه أصحمة كان ولياً من أولياء الله يبعث إلى رسول الله الهدايا والنبي صلى الله عليه وسلم يقبلها.
وفي يوم مات أخبر جبرائيل عليه السلام رسول الله بذلك مع بعد المسافة وكان ذلك معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم موته صلى عليه الصلاة مع أصحابه وهو ببلاد الحبشة.
بلاد الزنج مسيرة شهرين شمالها اليمن وجنوبها الفيافي وشرقها النوبة وغربها الحبشة وجميع السودان من ولد كوش بن كنعان بن حام وبلاد الزنج شديدة الحر جداً وحلكة سوادهم لاحتراقهم بالشمس.
وقيل: إن نوحاً عليه السلام دعا على ابنه حام فاسود لونه وبلادهم قليلة المياه قليلة الأشجار سقوف بيوتهم من عظام الحوت.
زعم الكماء أنهم شرار الناس ولهذا يقال لهم سباع الإنس.
قال جالينوس: الزنج خصصوا بأمور عشرة: سواد اللون وفلفلة الشعر وفطس الأنف وغلظ الشفة وتشقق اليد والكعب ونتن الرائحة وكثرة الطرب وقلة العقل وأكل بعضهم بعضاً فإنهم في حروبهم يأكلون لحم العدو ومن ظفر بعدو له أكله.
وأكثرهم عراة لا لباس لهم ولا يرى زنجي مغموماً الغم لا يدور حولهم والطرب يشملهم كلهم قال بعض الحكماء: سبب ذلك اعتدال دم القلب وقال آخرون: بل سببه طلوع كوكب سهيل عليهم كل ليلة فإنه يوجب الفرح.
وعجائب بلادهم كثيرة منها كثرة الذهب ومن دخل بلادهم يحب القتال وهواؤهم في غاية اليبوسة لا يسلم أحد من الجرب حتى يفارق تلك البلاد.
والزنوج إذا دخلوا بلادنا وآنقهم هذه البلاد استقامت أمزجتهم وسمنوا.
ولهم ملك اسمه اوقليم يملك سائر بلاد الزنج في ثلاثمائة ألف رجل.
ودوابهم البقر يحاربون عليها بالسرج واللجم تمشي مشي الدواب ولا خيل لهم ولا بغال ولا إبل وليس لهم شريعة يراجعونها بل رسوم رسمها ملوكهم وسياسات.
وفي بلادهم الزرافة والفيل كثيرة وحشية في الصحارى يصطادها الزنوج.
ولهم عادات عجيبة منها أن ملوكهم إذا جاروا قتلوهم وحرموا عقبة الملك ويقولون: الملك إذا جار لا يصلح أن يكون نائب ملك السموات والأرض.
ومنها أكل العدو إذا ظفر به.
وقيل: إن عادة بعضهم ليس عادة الكل.
ومنها اتخاذ نبيذ من شربها طمس عقله قيل: إنها مأخوذة من النارجيل يسقون منها من أرادوا الكيد به.
ومنها التحلي بالحديد مع كثرة الذهب عندهم يتخذون الحلي من الحديد كما يتخذ غيرهم من الذهب والفضة يزعمون أن الحديد ينفر الشيطان ويشجع لابسه.
ومنها قتالهم على البقر وانها تمشي كالخيل قال المسعودي: رأيت من هذا البقر وانها حمر العيون يبرك كالإبل بالحمل ويثور بحمله.
ومنها اصطيادها الفيل وتجاراتهم على عظامها وذلك لأن الفيل الوحشية ببلاد الزنج كثيرة والمستأنسة أيضاً كذلك والزنج لا يستعملونها في الحرب ولا في العمل بل ينتفعون بعظامها وجلودها ولحومها وذاك أن عندهم ورقاً يطرحونها في الماء فإذا شرب الفيل من ذلك الماء اسكره فلا يقدر على المشي فيخرجون إليه ويقتلونه وعظام الفيل وأنيابها تجلب من أرض الزنج وأكثر أنيابه خمسون مناً إلى مائة من وربما يصل إلى ثلاثمائة من.
بلاد السودان هي بلاد كثيرة وأرض واسعة ينتهي شمالها إلى أرض البربر وجنوبها إلى البراري وشرقها إلى الحبشة وغربها إلى البحر المحيط.
أرضها محترقة لتأثير الشمس فيها والحرارة بها شديدة جداً لأن الشمس لا تزال مسامتة لرؤوسهم وأهلها عراة لا يلبسون من شدة الحر منهم مسلمون ومنهم كفار.
أرضهم منبت الذهب وبها حيوانات عجيبة: كالفيل والكركدن والزرافة.
وبها أشجار وحدثني الفقيه علي الجنحاني المغربي أنه شاهد تلك البلاد ذكر أن أهلها اتخذوا بيوتهم على الأشجار العظيمة من الأرضة وان الأرضة بها كثيرة جداً ولا يتركون شيئاً من الأثاث والطعام على وجه الأرض إلا وأفسده الارضة فجميع قماشهم وطعامهم في البيوت التي اتخذوها على أعالي الأشجار.
وذكر رحمه الله انه أول ما نزل بها نام في طرف منها فما استيقظ إلا والارضة قرضت من ثيابه ما كان يلاقي وجه الأرض.
بلاد النوبة أرض واسعة في جنوبي مصر وشرقي النيل وغربيه.
هي بلاد واسعة وأهلها أمة عظيمة نصارى بعامتهم ولهم ملك اسمه كابيل يزعمون أنه من نسل حمير قال صلى الله عليه وسلم: خير سبيكم النوبة.
وقال أيضاً: من لم يكن له أخ فليتخذ أخاً نوبياً.
ومن عاداتهم تعظيم الملك الذي اسمه كابيل وهو يوهم أنه لا يأكل ويدخلون الطعام عليه سراً فإن عرف ذلك أحد من الرعية قتلوه لوقته ويشرب شراباً من الذرة مقوى بالعسل ولبسه الثياب الرفيعة من الصوف والخز والديباج وحكمه نافذ في رعيته ويده مطلقة يسترق من شاء ويتصرف في أموالهم وهم يعتقدون أنه يحيي ويميت ويصح ويمرض.وجرى ذكر ملك النوبة في مجلس المهدي أمير المؤمنين فقال بعض الحاضرين إن له مع محمد بن مروان قصة عجيبة فأمر المهدي بإحضار محمد بن مروان وسأله عما جرى بينه وبين ملك النوبة فقال: لما التقينا أبا مسلم بمصر وانهزمنا وتشتت جمعنا وقعت أنا بأرض النوبة فأحببت أن يمكنني ملكهم من المقام عنده زماناً فجاءني زائراً وهو رجل طويل أسود اللون فخرجت إليه من قبتي وسألته أن يدخلها فأبى أن يجلس إلا خارج القبة على التراب.
فسألته عن ذلك فقال: إن الله تعالى أعطاني الملك فحق علي أن أقابله بالتواضع.
ثم قال لي: ما بالكم تشربون النبيذ وانها محرمة في ملتكم قلت: نحن ما نفعل ذلك وإنما يفعله بعض فساق أهل ملتنا! فقال: كيف لبست الديباج ولبسه حرام في ملتكم قلت: إن الملوك الذين كانوا قبلنا وهم الأكاسرة كانوا يلبسون الديباج فتشبهنا بهم لئلا تنقص هيبتنا في غير الرعايا.
فقال: كيف تستحلون أخذ أموال الرعايا من غير استحقاق قلت: هذا شيء لا نفعله نحن ولا نرضى به وإنما يفعله بعض عمالنا السوء! فأطرق وجعل يردد مع نفسه: يفعله بعض عمالنا السوء! ثم رفع رأسه وقال: إن لله تعالى فيكم نعمة ما بلغت غايتها اخرج من أرضي حتى لا يدركني شؤمك! ثم قام ووكل بي حتى ارتحلت من أرضه والله الموفق.بلدة في جنوبي المغرب بقرب البحر المحيط حدثني الفقيه علي الجنحاني أنه دخلها فوجد سور المدينة من الملح وكذلك جميع حيطانها وكذلك السواري والسقوف وكذلك الأبواب فإنها من صفائح ملحية مغطاة بشيء من جلد الحيوان كي لا يتشعب أطرافها.
وذكر أن جميع ما حول هذه المدينة من الأراضي سبخة وفيها معدن الملح والشب وإذا مات بها شيء من الحيوان يلقى في الصحراء فيصير ملحاً والملح بأرض السودان عزيز جداً والتجار يجلبونه من تغارة إلى سائر بلادهم يبتاع كل وقر بمائة دينار.
ومن العجب أن هذه المدينة أرضها سبخة جداً ومياه آبارهم عذبة وأهلها عبيد مسوفة ومسوفة قبيلة عظيمة من البربر.
وأهل تغارة في طاعة امرأة من إماء مسوفة شغلهم جمع الملح طول السنة.
يأتيهم القفل في كل سنة مرةً يبيعون الملح ويأخذون من ثمنه قدر نفقاتهم والباقي يؤدونه إلى ساداتهم من مسوفة وليس بهذه المدينة زرع ولا ضرع ومعاشهم على الملح كما ذكرنا.
تكرور مدينة في بلاد السودان عظيمة مشهورة قال الفقيه علي الجنحاني المغربي: شاهدتها وهي مدينة عظيمة لا سور لها وأهلها مسلمون وكفار والملك فيها للمسلمين وأهلها عراة رجالهم ونساؤهم إلا أشراف المسلمين فإنهم يلبسون قميصاً طولها عشرون ذراعاً ويحمل ذيلهم معهم خدمهم للحشمة ونساء الكفار يسترن قبلهن بخرزات العقيق ينظمنها في الخيوط ويعلقنها عليهن ومن كانت نازلة الحال فخرزات من العظم.
وذكر أيضاً أن الزرافة بها كثيرة يجلبونها ويذبحونها مثل البقر والعسل والسمن والأرز بها رخيص جداً.
وبها حيوان يسمى لبطى يؤخذ من جلده المجن يبتاع كل مجن بثلاثين ديناراً وخاصيته أن الحديد لا يعمل فيه البتة.
وحكى أنه لما كان بها إذ ورد قاصد من بعض عمال الملك يقول: قد دهمنا سواد عظيم لا نعرف ما هو.
فاستعد الملك للقتال وخرج بعساكره فإذا فيلة كثيرة جاوزت العد والحصر فجاءت حتى ترد الماء بقرب تكرور فقال الملك: احشوها بالنبل.
فلم يكن يعمل فيها شيء من النبال وكانت تخفي خراطيمها تحت بطنها لئلا يصيبها النبل وإذا أصاب شيئاً من بدنها أمرت عليها الخرطوم ورمتها فشربت الماء ورجعت.
والله الموفق.
جابرسا مدينة بأقصى بلاد المشرق عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن بأقصى المشرق مدينة اسمها جابرس أهلها من ولد ثمود وبأقصى المغرب مدينة اسمها جابلق أهلها من ولد عاد ففي كل واحد بقايا من الأمتين.
يقول اليهود: إن أولاد موسى عليه السلام هربوا في حرب بخت نصر فسيرهم الله تعالى وأنزلهم بجابرس وهم سكان ذلك الموضع لا يصل إليهم أحد ولا يحصى عددهم.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة أسري به قال لجبريل عليه السلام: إني أحب أن أرى القوم الذين قال الله تعالى فيهم: ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون فقال جبريل عليه السلام: بينك وبينهم مسيرة ست سنين ذاهباً وست سنين راجعاً وبينك وبينهم نهر من رمل يجري كجري السهم لا يقف إلا يوم السبت لكن سل ربك فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأمن جبريل عليه السلام فأوحى الله إلى جبريل أن أجب إلى ما سأل فركب البراق وخطا خطوات فإذا هو بين أظهر القوم فسلم عليهم فسألوه: من أنت فقال: أنا النبي الامي! فقالوا: نعم أنت الذي بشر بك موسى عليه السلام وإن أمتك لولا ذنوبها لصافحتها الملائكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت قبورهم على باب دورهم فقلت لهم: لم ذاك قالوا: لنذكر الموت صباحاً ومساء وإن لم نفعل ذلك ما نذكر إلا وقتاً بعد وقت! فقال صلى الله عليه وسلم: ما لي أرى بنيانكم مستوياً قالوا: لئلا يشرف بعضنا على بعض ولئلا يسد بعضنا الهواء عن بعض.
فقال صلى الله عليه وسلم: ما لي لا أرى فيكم سلطاناً ولا قاضياً فقالوا: أنصف بعضنا بعضاً وأعطينا الحق من أنفسنا.
فلم نحتج إلى أحد ينصف بيننا فقال صلى الله عليه وسلم: ما لأسواقكم خالية فقالوا: نزرع جميعاً ونحصد جميعاً فيأخذ كل رجل منا ما يكفيه ويدع الباقي لأخيه.
فقال صلى الله عليه وسلم: ما لي أرى هؤلاء القوم يضحكون قالوا: مات لهم ميت! قال: ولم يضحكون قالوا: سروراً بأنه قبض على التوحيد! قال صلى الله عليه وسلم: وما لهؤلاء يبكون قالوا: ورد لهم مولود وهم لا يدرون على أي دين يقبض.
قال صلى الله عليه وسلم: إذا ولد لكم مولود ذكر ماذا تصنعون قالوا: نصوم لله شهراً شكراً.
قال: وإن ولدت لكم انثى قالوا: نصوم لله شهرين شكراً لأن موسى عليه السلام أخبرنا أن الصبر على الأنثى أعظم أجراً من الصبر على الذكر.
قال صلى الله عليه وسلم: أفتزنون قالوا: وهل يفعل ذلك أحد إلا حصبته السماء من فوقه وخسفت به الأرض من تحته قال: افتربون قالوا: إنما يربي من لا يؤمن رزق الله! قال: أفتمرضون قالوا: لا نذنب ولا نمرض وإنما تمرض أمتك ليكون كفارة لذنوبهم.
قال صلى الله عليه وسلم: أفلكم سباع وهوام قالوا: نعم تمر بنا ونمر بها فلا فعرض عليهم النبي صلى الله عليه وسلم شريعته فقالوا: كيف لنا بالحج وبيننا وبينه مسافة بعيدة فدعا النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس: تطوى لهم الأرض حتى يحج من يحج منهم مع الناس.
قال: فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم أخبر من حضر من قومه وكان فيهم أبو بكر رضي الله عنه قال: إن قوم موسى بخير فعلم الله تعالى ما في قلوبهم فأنزل: وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون.
فصام أبو بكر شهراً واعتق عبداً إذ لم يفضل الله أمة موسى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم
جاوة
هي بلاد على ساحل بحر الصين مما يلي بلاد الهند وفي زماننا هذا لا يصل التجار من أرض الصين إلا إلى هذه البلاد والوصول إلى ما سواها من بلاد الصين متعذر لبعد المسافة واختلاف الأديان والتجار يجلبون من هذه البلاد العود الجاوي والكافور والسنبل والقرنفل والبسباسة والغضائر الصيني منها يجلب إلى سائر البلاد.
جزاير الخالدات
ويقال لها أيضاً جزاير السعادات وانها في البحر المحيط في أقصى المغرب كان بها مقام جمع من الحكماء بنوا عليها ابتداء طول العمارات قال أبو الريحان الخوارزمي: هي ست جزاير واغلة في البحر المحيط قريبات من مائتي فرسخ وإنما سميت بجزاير السعادات لأن غياطها أصناف الفواكه والطيب من غير غرس وعمارة وأرضها تحمل الزرع مكان العشب وأصناف الرياحين العطرة بدل الشوك.
قالوا: في كل جزيرة صنم طوله مائة ذراع كالمنار ليهتدى بها وقيل: إنما عملوا ذلك ليعلم أن ليس بعد ذلك مذهب فلا يتوسط البحر المحيط والله أعلم بذلك.
جزيرة الرامني
في بحر الصين قال محمد بن زكرياء الرازي: بها ناس عراة لا يفهم كلامهم لأنه مثل الصفير طول أحدهم أربعة أشبار شعورهم زغب أحمر يتسلقون على الأشجار وبها الكركدن وجواميس لا أذناب لها وبها من الجواهر والافاويه ما لا يحصى وبها شجر الكافور والخيزران والبقم وعروق هذا البقم دواء من سم الأفاعي وحمله شبه الخرنوب وطعمه طعم العلقم.
وقال ابن الفقيه: بها ناس عراة رجال ونساء على أبدانهم شعور تغطي سوآتهم وهم أمة لا يحصى عددها مأكولهم ثمار الأشجار وإذا اجتاز بهم شيء من المراكب يأتونه بالسباحة مثل هبوب الريح وفي أفواههم عنبر يبيعونه بالحديد.
جزيرة زانج
إنها جزيرة عظيمة في حدود الصين مما يلي بلاد الهند بها أشياء عجيبة ومملكة بسيطة وملك مطاع يقال له المهراج قال محمد بن زكرياء: للمهراج جباية تبلغ كل يوم مائتي من ذهباً يتخذها لبنات ويرميها في الماء والماء بيت ماله وقال أيضاً: من عجائب هذه الجزيرة شجر الكافور وانه عظيم جداً يظل مائة إنسان وأكثر يثقب أعلى الشجر فيسيل منه ماء الكافور عدة جرار ثم يثقب أسفل من ذلك وسط الشجرة فينساب منها قطع الكافور وهو صمغ تلك الشجرة غير أنه في داخلها فإذا أخذت ذلك منه يبست الشجرة.
وحكى ماهان بن بحر السيرافي قال: كنت في بعض جزاير زانج فرأيت بها ورداً كثيراً أحمر وأصفر وأزرق وغير ذلك فأخذت ملاءة حمراء وجعلت فيها شيئاً من الورد الأزرق فلما أردت حملها رأيت ناراً في الملاءة واحترق ما فيها من الورد ولم تحترق الملاءة فسألت عنها فقالوا: إن في هذا الورد منافع كثيرة لكن لا يمكن إخراجها من هذه الغيطة.وقال ابن الفقيه: بهذه الجزيرة قوم على صورة البشر إلا أن أخلاقهم بالسباع أشبه يتكلم بكلام لا يفهم ويطفر من شجرة إلى شجرة.
وبها صنف من السنانير لها أجنحة كأجنحة الخفافيش من الأذن إلى الذنب وبها وعول كالبقر الجبلية ألوانها حمر منقطة ببياض وأذنابها كأذناب الظباء ولحومها حامضة وبها دابة الزباد وهي شبيهة بالهر يجلب منها الزباد وبها فارة المسك.
وبها جبل النصبان وهو جبل فيه حيات عظام تبلع البقر والجاموس ومنها ما يبلغ الفيل وبها قردة بيض كأمثال الجواميس والكباش وبها صنف آخر بيض الصدر سود الظهر.
وقال زكرياء بن محمد بن خاقان: بجزيرة زانج ببغاء بيض وصفر وحمر يتكلم بأي لغة يكون وبها طواويس رقط وخضر وبها طير يقال له الحوارى دون الفاختة أبيض البطن أسود الجناحين أحمر الرجلين أصفر المنقار وهو أفصح من الببغاء والله الموفق للصواب.
جزيرة سكسار
جزيرة بعيدة عن العمران في بحر الجنوب حكى يعقوب بن إسحاق السراج قال: رأيت رجلاً في وجهه خموش فسألته عن ذلك فقال: خرجنا في مركب فألقتنا الريح إلى جزيرة لم نقدر أن نبرح عنها فأتانا قوم وجوههم وجوه الكلاب وسائر بدنهم كبدن الناس فسبق إلينا واحد ووقف الآخرون فساقنا إلى منازلهم فإذا فيها جماجم الناس وأسوقهم وأذرعهم فأدخلنا بيتاً فإذا فيه إنسان أصابه مثل ما أصابنا فجعلوا يأتوننا بالفواكه والمأكول فقال لنا الرجل: إنما يطعمونكم لتسمنوا فمن سمن أكلوه قال: فكنت أقصر في الأكل حتى لا أسمن فأكلوا الكل وتركوني وذاك الرجل لأني كنت نحيفاً والرجل كان عليلاً فقال لي الرجل: قد حضر لهم عيد يخرجون إليه بأجمعهم ويمكثون ثلاثاً فإن أردت النجاة فانج بنفسك! وأما أنا فقد ذهبت رجلاي لا يمكنني الذهاب.
واعلم أنهم أسرع شيء طلباً وأشد اشتياقاً وأعرف بالاثر إلا من دخل تحت شجرة كذا فإنهم لا يطلبونه ولا يقدرون عليه.
قال: فخرجت أسير ليلاً وأكمن النهار تحت الشجرة فلما كان اليوم الثالث رجعوا وكانوا يقصون أثري فدخلت تحت الشجرة فانقطعوا عني ورجعوا فأمنت.
حكى الرجل المخموش وقال: بينا أنا أسير في تلك الجزيرة إذ رفعت لي أشجار كثيرة فانتهيت إليها فإذا بها من كل الفواكه وتحتها رجال كأحسن ما يكون صورة فقعدت عندهم لا أفهم كلامهم ولا يفهمون كلامي فبينا أنا جالس معهم إذ وضع أحدهم يده على عاتقي فإذا هو على رقبتي ولوى رجليه علي وأنهضني فجعلت أعالجه لأطرحه فخمشني في وجهي فجعلت أدور به على الأشجار وهو يقطف ثمرها يأكل ويرمي إلى أصحابه وهم يضحكون فبينا أنا أسير به في وسط الأشجار إذ أصاب عينيه عيدان الأشجار فعمي فعمدت إلى شيء من العنب وأتيت نقرة في صخرة عصرته فيها ثم أشرت إليه أن اكرع فكرع منها فتحللت رجلاه فرميت به فأثر الخموش من ذلك في وجهي.
جزيرة القصار
حدث يعقوب بن إسحاق السراج قال: رأيت رجلاً من أهل رومية قال: خرجت في مركب فانكسر وبقيت على لوح فألقتني الريح إلى بعض الجزائر فوصلت بها إلى مدينة فيها أناس قاماتهم قدر ذراع وأكثرهم عور فاجتمع علي جماعة وساقوني إلى ملكهم فأمر بحبسي فانتهوا بي إلى شيء مثل قفص الطير أدخلوني فيه فقمت فكسرته وصرت بينهم فآمنوني فكنت أعيش فيهم.
فإذا في بعض الأيام رأيتهم يستعدون للقتال فسألتهم عن ذلك فأومأوا إلى عدو لهم يأتيهم في هذا الوقت فلم تلبث أن طلعت عليهم عصابة من الغرانيق وكان عورهم من نقر الغرانيق أعينهم فأخذت عصاً وشددت على الغرانيق فطارت ومشت فأكرموني بعد ذلك إلى أن وجدت جذعين وشددتهما بلحاء الشجر وركبتهما فرمتني الريح إلى رومية.
وقد حكى أرسطاطاليس في كتاب الحيوان تصحيح ما ذكر وقال: إن الغرانيق تنتقل من جزيرة النساء في بحر الصين فيها نساء لا رجل معهن أصلاً وإنهن يلقحن من الريح ويلدن النساء مثلهن وقيل: إنهن يلقحن من ثمرة شجرة عندهن يأكلن منها فيلقحن ويلدن نساء.
حكى بعض التجار أن الريح ألقته إلى هذه الجزيرة قال: فرأيت نساء لا رجال معهن ورأيت الذهب في هذه الجزيرة مثل التراب ورأيت من الذهب قضباناً كالخيزران فهممن بقتلي فحمتني امرأة منهن وحملتني على لوح وسيبتني في البحر فألقتني الريح إلى بلاد الصين فأخبرت صاحب الصين بحال الجزيرة وما فيها من الذهب فبعث من يأتيه بخبرها فذهبوا ثلاث سنين ما وقعوا بها فرجعوا.
جزيرة واق واق
إنها في بحر الصين وتتصل بجزائر زانج والمسير إليها بالنجوم قالوا: إنها ألف وستمائة جزيرة وإنما سميت بهذا الاسم لأن بها شجرة لها ثمرة على صور النساء معلقات من الشجرة بشعورها وإذا أدركت يسمعمنها صوت واق واق وأهل تلك البلاد يفهمون من هذا الصوت شيئاً يتطيرون به.قال محمد بن زكرياء الرازي: هي بلاد كثيرة الذهب حتى ان أهلها يتخذون سلاسل كلابهم وأطواق قرودهم من الذهب ويأتون بالقمصان المنسوجة من الذهب.
وحكى موسى بن المبارك السيرافي أنه دخل هذه البلاد وقد ملكتها امرأة وأنه رآها على سرير عريانةً وعلى رأسها تاج وعندها أربعة آلاف وصيفة عراة أبكاراً.
جوف واد بأرض عاد كان ذا ماء وشجر وعشب وخيرات كثيرة منها حمار بن مويلع كان له بنون خرجوا يتصيدون فأصابتهم صاعقة فماتوا عن آخرهم فكفر حمار كفراً عظيماً وقال: لا أعبد رباً فعل بي هذا! ودعا قومه إلى الكفر فمن عصاه قتله وكان يقتل من مر به من الناس فأقبلت نار من أسفل الجوف فأحرقته ومن فيه وغاض ماؤه فضربت العرب به المثل وقالوا: أكفر من حمار! وقالوا أيضاً: أخلى من جوف حمار.
وقال شاعرهم: ولشؤم البغي والغشم قديماً ما خلا جوفٌ ولم يبق حمار حرث أرض واسعة باليمن كثيرة الرياض والمياه طيبة الهواء عذبة الماء منها ذو حرث الحميري واسمه مثوب قال هشام بن محمد الكلبي: كان ذو حرث من أهل بيت الملك يعجبه سياحة البلاد فأوغل في بعض أوقاته في بلاد اليمن فهجم على أرض فيحاء كثيرة الرياض فأمر أصحابه بالنزول وقال: يا قوم إن لهذه الأرض شأناً لما رأى من مياهها ورياضها ولم ير بها أنيساً فأوغل فيها حتى هجم على عين عظيمة نظيفة بها غاب ويكتنفها ثلاث آكام عظام فإذا على شريعتها بيت صنم من الصخر حوله من مسوك الوحش وعظامها تلال.
فبينا هو كذلك إذ أبصر شخصاً كالفحل المقرم قد تجلل بشعره وذلاذله تنوش على عطفه وبيده سيف كاللجة الخضراء فنكصت منه الخيل وأصرت بآذانها ونفضت بأبوالها فقلنا: من أنت فأقبل يلاحظنا كالقرم الصؤوم ووثب وثبة الفهد على ادنانا فضربه ضربة فقط عجز فرسه وثنى بالفارس جزله جزلتين.
فقال القيل: ليلحق فارسان برجالنا ليأتينا عشرون رامياً.
فلم يلبث أن أقبلت الرماة ففرقهم على الآكام الثلاث وقال: احشوه بالنبل وان طلع عليكم فدهدهوا عليه الصخر وليحمل عليه الخيل من ورائه ففرقنا الخيل للحلمة وإنها تشمئز عنه فأقبل يدنو ويختل وكلما خالطه سهم أمر عليه ساعده وكسره في لحمه فضرب فارساً آخر فقطع فخذه بسرجه وما تحت السرج من فرسه فصاح به القيل: ويلك! من أنت فقال بصوت الرعد: أنا حرث لا أراع ولا ألاع! فمن أنت قال: أنا مثوب قال: إنك لهو قال: ثم جلس وألقى سيفه وجعل ينزع النبل من بدنه فقلنا للقيل: قد استسلم قال: كلا لكنه اعترف دعوة فإنه ميت فقال: عهد عليكم لتحفرنني! فقال القيل: آكد عهد ثم كبا لوجهه فأقبلنا إليه فإذا هو ميت فأخذنا سيفه فلم يقدر أحد منا يحمله على عنقه فأمر مثوب فحفر له اخدود ألقي فيه واتخذ مثوب تلك الأرض منزلاً وسماها حرث وسمي مثوب ذا حرث.
ووجد على أكمة صخرة مكتوب عليها: باسمك اللهم إله من سلف ومن غبر إنك الملك الكبار الخالق الجبار ملكنا هذه المدة وحمى لنا أقطارها وأصبارها وأسرابها وحيطانها وعيونها وصيرانها إلى انتهاء عدة وانقضاء مدة ثم يظهر علينا غلام ذو الباع الرحب والمضاء العضب فيتخذها معمراً أعصراً ثم يجوز كما بدا وكل محتوم آت وكل مترقب قريب ولا بد من فقدان الموجود وخراب المعمور.
حضرموت
ناحية باليمن مشتملة على مدينتين يقال لاحداهما شبام وللأخرى تريم وهي بقرب البحر في شرقي عدن وانها بلاد قديمة.
حكى رجل من حضرموت قال: وجدنا بها فخاراً فيه سنبلة حنطة وامتلأ الظرف منها وكان في ذلك الوقت شيخ له خمسمائة سنة وله ولد له أربعمائة سنة وولد ولد له ثلاثمائة سنة فذهبنا إلى ابن الابن قلنا: إنه أقرب إلى الفهم والعقل فوجدناه مقيداً لا يعرف الخير والشر.
فقلنا: إذا كان هذا حال ولد الولد فكيف حال الأب والجد فذهبنا إلى صاحب الأربعمائة سنة فوجدناه أقرب إلى الفهم من ولده فذهبنا إلى صاحب الخمسمائة سنة فوجدناه سليم العقل والفهم فسألناه عن حال ولد ولده فقال: انه كانت له زوجة سيئة الخلق لا توافقه في شيء أصلاً فأثر فيه ضيق خلقها ودوام الغم بمقاساتها وأما ولدي فكانت له زوجة توافقه مرة وتخالفه أخرى فلهذا هو أقرب فهماً منه.
وأما أنا فلي زوجة موافقة في جميع الأمور مساعدة فلذلك سلم فهمي وعقلي! فسألناه عن السنبلة فقال: هذا زرع قوم من الأمم الماضية كانت ملوكهم عادلة وعلماؤهم أمناء وأغنياؤهم أسخياء وعوامتهم منصفة.
منها القاضي الحضرمي رحمه الله لما ولي القضاء أتى عليه سنتان لم يتقدم إليه خصمان فاستعفى الملك وقال: إني آخذ معيشة القضاء ولا خصومة لأحد فالأجرة لا تحل لي! فاستبقاه الملك وقال: لعل الحاجة تحدث إلى أن تقدمه خصيمان فقال أحدهما: اشتريت منه أرضاً فظهر فيها كنز قل له حتى يقبضها! وقال الآخر: إني بعت الأرض بما فيها والكنز له! فقال القاضي: هل لكما من الأولاد قالا: نعم.
فزوج بنت البائع من ابن المشتري وجعل وبها القصر المشيد الذي ذكره الله في القرآن بناه رجل يقال له صد ابن عاد وذلك أنه لما رأى ما نزل بقوم عاد من الريح العقيم بنى قصراً لا يكون للريح عليه سلطان من شدة إحكامه وانتقل إليه هو وأهله وكان له من القوة ما كان يأخذ الشجرة بيده فيقلعها بعروقها من الأرض ويأكل من الطعام مأكول عشرين رجلاً من قومه وكان مولعاً من النساء تزوج بأكثر من سبعمائة عذراء وولد له من كل واحدة ذكر وأنثى فلما كثر أولاده طغى وبغى وكان يقعد في أعالي قصره مع نسائه لا يمر به أحد إلا قتله كائناً من كان حتى كثر قتلاه فأهلكه الله تعالى مع قومه بصيحة من السماء وبقي القصر خراباً لا يجسر أحد على دخوله لأنه ظهر فيه شجاع عظيم وكان يسمع من داخله أنين كأنين المرضى وقد أخبر الله تعالى عنهم وأمثالهم بقوله: فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد والبئر المعطلة كانت بعدن سنذكرها إن شاء الله تعالى.
وبها قبر هود النبي عليه السلام قال كعب الأحبار: كنت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلافة عثمان رضي الله عنه فإذا برجل قد رمقه الناس لطوله فقال: أيكم ابن عم محمد قالوا: أي ابن عمه قال: ذاك الذي آمن به صغيراً فأومأوا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال علي: ممن الرجل فقال: من اليمن من بلاد حضرموت.
فقال علي: أتعرف موضع الأراك والسدرة الحمراء التي يقطر من أوراقها ماء في حمرة الدم فقال الرجل: كأنك سألتني عن قبر هود عليه السلام فقال علي: عنه سألتك فحدثني فقال: مضيت في أيام شبابي في عدة من شبان الحي نريد قبره فسرنا إلى جبل شامخ فيه كهوف ومعنا رجل عارف بقبره حتى دخلنا كهفاً فإذا نحن بحجرين عظيمين قد أطبق أحدهما على الآخر وبينهما فرجة يدخلها رجل نحيف وكنت أنا أنحفهم فدخلت بين الحجرين فسرت حتى وصلت إلى فضاء فإذا أنا بسرير عليه ميت وعليه أكفان كأنها الهواء فمسست بدنه فكان علباً وإذا هو كبير العينين مقرون الحاجبين واسع الجبهة أسيل الخد طويل اللحية وإذا عند رأسه حجر على شكر لوح عليه مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً أنا هود بن الحلود بن عاد رسول الله إلى بني عاد بن عوض ابن سام بن نوح جئتهم بالرسالة وبقيت فيهم مدة عمري فكذبوني فأخذهم الله بالريح العقيم فلم يبق منهم أحد وسيجيء بعدي صالح بن كالوة فيكذبه قومه فتأخذهم الصيحة قال له علي رضي الله عنه: صدقت هكذا قبر هود عليه السلام.
وبها بئر برهوت وهي التي قال النبي صلى الله عليه وسلم: ان فيها أرواح الكفار والمنافقين وهي بئر عادية قديمة عميقة في فلاة عميقة في فلاة وواد مظلم.وعن علي رضي الله عنه قال: ابغض البقاع إلى الله تعالى وادي برهوت بحضرموت فيه بئر ماؤها أسود منتن يأوي إليه أرواح الكفار.
وذكر الأصمعي عن رجل حضرمي انه قال: إنا نجد من ناحية برهوت رائحة منتنة فظيعة جداً فيأتينا الخبر أن عظيماً من عظماء الكفار مات.
وحكى رجل أنه بات ليلة بوادي برهوت قال: فكنت أسمع طول الليل يا دومه يا دومه فذكرت ذلك لبعض أهل العلم فقال: إن الملك الموكل بأرواح الكفار اسمه دومه.
وبها ماء الخنوثة قال ابن الفقيه: بحضرموت ماء بينها وبين النوب من شربه يصير مخنثاً.
دلان ودموران قريتان بقرب ذمار من أرض اليمن.
قالوا: ليس بأرض اليمن أحسن وجهاً من نساء هاتين القريتين.
وقالوا: الفواجر بهما كثيرة يقصدهما الناس من الأماكن البعيدة للفجور! قالوا: إن دلان ودموران كانا ملكين أخوين وكل واحد بنى قرية وسماها باسمه وكانا مشغوفين بالنساء وينافسان في الحسن والجمال والناس يجلبون من الأطراف البعيدة ذوات الجمال لهما فمن هناك أتى أهل القريتين الجمال وإلا فالجمال بأرض اليمن كالسمك على اليبس والله الموفق.
مدينة عظيمة ببلاد النوبة ممتدة على ساحل النيل طولها مسيرة ثمانين ليلة وعرضها قليل وهي منزل ملكهم كابيل وأهلها نصارى يعاقبة أرضهم محترقة لغاية الحرارة عندهم ومع شدة احتراقها ينبت الشعير والحنطة والذرة.
ولهم نخل وكرم ومقل وأراك.
وبلادهم أشبه شيء باليمن وبيوتهم أخصاص كلها وكذلك قصور ملكهم.
وأهلها عراة مؤتزرون بالجلود والنمر عندهم كثيرة يلبسون جلودها والزرافة أيضاً وهي دابة عجيبة منحنية إلى خلفها لطول يديها وقصر رجليها وعندهم صنف من الإبل صغيرة الخلق قصيرة القوائم.
ذات الشعبين
مخلاف باليمن وقال محمد بن السائب: حكى لنا رجل من ذي الكلاع أن سيلاً أقبل باليمن فخرق موضعاً فأبدى عن أزج فإذا فيه سرير عليه ميت عليه جباب وشي مذهبة وبين يديه محجن من ذهب في راسه ياقوتة حمراء وإذا لوح فيه مكتوب: بسم الله رب حمير أنا حسان بن عمرو القيل حين لا قيل إلا الله مت زمان خرهيد وماهيد هلك فيه اثنا عشر ألف قيل وكنت آخرهم قيلاً فأتيت ذات الشعبين ليجيرني فأجفرني قالوا: لعل كان ذلك وقت الطاعون فمات من مات لفساد الهواء فأتى حسان ذات الشعبين ليكون الهواء فيه أصح بسبب هبوبها من الشعبين فيسلم من الطاعون وما سلم.
ذمار
مدينة ببلاد اليمن حكى أبو الربيع سليمان الزنجاني: انه شاهد ذمار ورأى على مرحلة منها آثار عمارة قديمة قد بقي منها ستة أعمدة من رخام وفوق أربعة منها أربعة أعمدة ودونها مياه كثيرة جارية قال: ذكر لي أهل تلك البلاد أن أحداً لا يقدر على خوض تلك المياه إلى تلك الأعمدة وما خاض أحد إلا عدم وأهل تلك البلاد متفقون على أنها عرش بلقيس.
سبأ
مدينة كانت بينها وبين صنعاء ثلاثة أيام بناها سبأ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان كانت مدينة حصينة كثيرة الأهل طيبة الهواء عذبة الماء كثيرة الأشجار لذيذة الثمار كثيرة أنواع الحيوان وهي التي ذكرها الله تعالى: لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور ما كان يوجد بها ذباب ولا بعوض ولا شيء من الهوام كالحية والعقرب ونحوهما.وقد اجتمعت في ذلك الموضع مياه كثيرة من السيول فيمشي بين جبلين ويضيع في الصحارى وبين الجبلين مقدار فرسخين فلما كان زمان بلقيس الملكة بنت بين الجبلين سداً بالصخر والقار وترك الماء العظيم خارج السد وجعلت في السد مثاعب أعلى وأوسط وأسفل ليأخذوا من الماء كل ما احتاجوا إليه فجفت داخل السد ودام سقيها فعمرها الناس وبنوا وغرسوا وزرعوا فصارت أحسن بلاد الله تعالى وأكثرها خيراً كما قال الله تعالى: جنتان عن يمين وشمال.
وكان أهلها اخوة وبنو عم بنو حمير وبنو كهلان فبعث الله تعالى إليهم ثلاثة عشر نبياً فكذبوهم فسلط الله تعالى الجرذ على سدهم.
منها عمران بن عامر وكانت سيادة اليمن لولد حمير ولولد كهلان وكان كبيرهم عمران بن عامر وكان جواداً عاقلاً وله ولأقربائه من الحدائق ما لم يكن لأحد من ولد قحطان.
وكانت عندهم كاهنة اسمها طريفة قالت لعمران: والظلمة والضياء والأرض والسماء ليقبلن إليكم الماء كالبحر إذا طما فيدع أرضكم خلاءً يسفي عليها الصبا! فقالوا لها: فجعتنا بأموالنا فبيني مقالتك! فقالت: انطلقوا إلى رأس الوادي لتروا الجرذ العادي يجر كل صخرة صيخاد بأنياب حداد وأظفار شداد! فانطلق عمران في نفر من قومه حتى أشرفوا على السد فإذا هم بجرذ أحمر فيقلع الحجر الذي لا يستقله رجال ويدفعه بمخاليب رجليه إلى ما يلي فلما رأى عمران ذلك علم صدق قول الكاهنة فقال لأهله: اكتموا هذا القول من بني عمكم بني حمير لعلنا نبيع حدائقنا منهم ونرحل عن هذه الأرض ثم قال لابن أخيه حارثة: إذا كان الغد واجتمع الناس أقول لك قولاً خالفني وإذا شتمتك ردها علي وإذا ضربتك فاضربني مثله ! فقال: يا عم كيف ذلك فقال عمران: لا تخالف فإن مصلحتنا في هذا.
فلما كان الغد واجتمع عند عمران أشراف قومه وعظماء حمير ووجوه رعيته أمر حارثة أمراً فعصاه فضربه بمخصرة كانت بيده فوثب حارثة عليه واطمه فأظهر عمران الغضب وأمر بقتل ابن أخيه فوقع في حقه الشفاعات.
فلما أمسك عن قتله حلف أن لا يقيم في أرض امتهن بها وقال وجوه قومه: ولا نقيم بعدك يوماً! فعرضوا ضياعهم على البيع واشتراها بنو حمير بأعلى الأثمان فارتحل عن أرض اليمن فاء السيل بعد رحيلهم بمدة يسيرة وخربت البلاد كما قال تعالى: فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل.
فتفرقوا في البلاد ويضرب بهم المثل فيقال: تفرقوا أيادي سبا.
وكانوا عشرة أبطن: ستة تيامنوا وهم كندة والأشعريون والأزد ومذحج وانمار وحمير وأربعة تشاءموا وهم عامرة وجذام ولخم وغسان وكانت هذه الواقعة بين مبعث عيسى ونبينا صلى الله عليهما وسلم.مدينة في جنوب المغرب في طرف بلاد السودان في مقطع جبل درن في وسط رمل بها نهر كبير غرسوا عليه بساتين ونخيلاً مد البصر.
حدثني بعض الفقهاء من المغاربة وقد شاهدها: ان مزارعها اثنا عشر فرسخاً من كل جانب لكن لا يزرع في كل سنة إلا خمسها ومن أراد الزيادة على ذلك منعوه وذلك لأن الريع إذا كثر لا يبقى له قيمة فلا يشتري من الظناء بشيء.
وبها أصناف العنب والتمر وأما تمرها فستة عشر صنفاً ما بين عجوة ودقل.
ولنسائها يد صناع في غزل الصوف ويعمل منه كل عجيب حسن بديع من الأزر التي تفوق القصب ويبلغ ثمن الازار ثلاثين ديناراً وأربعين كأرفع ما يكون من القصب ويتخذن من عقارات يبلغ ثمنها مثل ذلك مصبوغة بأنواع الألوان وأهل هذه المدينة من أغنى الناس وأكثرهم مالاً لأنها على طريق غانة التي هي معدن الذهب ولأهلها جرأة على دخول تلك البرية مع ما ذكر من صعوبة الدخول فيها وهي في بلاد التبر يعرف منها والله الموفق.
سرنديب جزيرة في بحر هركند بأقصى بلاد الصين قال محمد بن زكرياء: هي ثمانون فرسخاً في ثمانين فرسخاً لها ثلاثة ملوك كل واحد عاص على الآخر.
ومن عاداتهم أن يأخذوا من الجاني سبعة دراهم على جنايته والمديون إذا تقاعد عن اداء الدين بعث الملك إليه من يخط حوله خطاً أي مكان وجده فلا يجسر أن يخرج من الخط حتى يقضي الدين أو يحصل رضاء الغريم.
فإن خرج من الخط بغير إذن أخذ الملك منه ثلاثة أضعاف الدين ويسلم ثلثه إلى المستحق ويأخذ الملك ثلثيه.
وإذا مات الملك يجعل في صندوق من العود والصندل ويحرق بالنار وترافقه زوجته حتى يخترقا معاً.
وبها أنواع العطر والافاويه والعود والنارجيل ودابة المسك وأنواع اليواقيت ومعدن الذهب والفضة ومغاص اللؤلؤ.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير بقعة ضربت إليها آباط الإبل مكة ومسجدي هذا والمسجد الأقصى وجزيرة سرنديب فيها نزل أبونا آدم عليه السلام بها جبل أهبط عليه آدم عليه السلام وهو ذاهب في السماء يراه البحريون من مسافة أيام وفيه أثر قدم آدم عليه السلام وهي قدم واحدة مغموسة في الحجر.
ويرى على هذا الجبل كل ليلة مثل البرق من غير سحاب وغيم ولا بد له كل يوم من مطر يغسل موضع قدم آدم عليه السلام.
ويقال إن الياقوت الأحمر يوجد على هذه الجبال يحدره السيل منها إلى الحضيض وقطاع الماس أيضاً والبلور.
وقالوا: أكثر أهل سرنديب مجوس وبها مسلمون أيضاً ودوابها في غاية الحسن لا تشبه دوابنا إلا بالنوع وبها كبش له عشرة قرون.
منها الشيخ الظريف سديد الدين السرنديبي ورد قزوين وأهل قزوين تبركوا به.
وكان قاضي قزوين يدخل مع الولاة في الأمور الديوانية والعوام يكرهون ذلك فربما عملوا غوغاة ونهبوا دار القاضي وخربوها فلما كن السرنديبي قزوين وتبرك القوم به كلما كرهوا من القاضي شيئاً ذهبوا إلى السرنديبي وقالوا: قم ساعدنا على القاضي! فإذا خرج السرنديبي تبعه ألوف فالقاضي لقي من السرنديبي التباريح.
فطلبه ذات يوم فلما دخل عليه تحرك له وانبسط معه وسأله عن حاله ثم قال: إني أرى في هذه المدينة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متروكاً ولست أرى من لا يأخذه في الله لومة لائم غيرك.
وأخرج من داره قميصاً غسل مراراً وعمامة عتيقة وأركبه على دابة وغلمان الاحتساب في خدمته وكل من سمع بهذا استحسن وصار السرنديبي محتسباً.
فإذا في بعض الأيام جاء شخص إلى السرنديبي وقال: في موضع كذا جماعة يشربون.
فقام بأصحابه وذهب إليهم فأراق خمورهم وكسر ملاهيهم.
وكان القوم صبياناً جهالاً قاموا إليه وضربوه وضربوا أصحابه ضرباً وجيعاً فجاء السرنديبي إلى القاضي وعرفه ذلك فالقاضي ثم بعد أيام قالوا للسرنديبي: في بستان كذا جماعة يشربون فذهب إليهم بأصحابه وأراق خمورهم وكسر ملاهيهم فقاموا وقتلوا أصحاب السرنديبي وجرحوه فعاد السرنديبي إلى بيته وأخذ القميص والعمامة وذهب إلى القاضي وقال: اخلع هذا على غيري فإني لست أهلاً لذلك فقال القاضي: لا تفعل يا سديد الدين ولا تمنع الثواب! فقال له: دع هذا الكلام أنت غرضك اني أقتل وأجرح على يد غيرك وإني قد عرفت المقصود ولا أنخدع بعد ذلك.
سفالة
آخر مدينة تعرف بأرض الزنج بها معدن الذهب والحكاية عنها كما مر في بلاد التبر من أن التجار يحملون إليها الأمتعة ويضعونها في أرض قريبة منهم ويرجعون.
ثم ان أهل سفالة وهم سودان يأتون ويتركون ثمن كل متاع بجنبه والذهب السفالي معروف عند تجار الزنج.
وبها الحواي وهو صنف من الطير يعيد ما سمع بصوت رفيع ولفظ صحيح أصح من الببغاء ولا يبقى أكثر من سنة وبها ببغاء بيض وحمر وخضر وقال محمد بن الجهم: رأيت قوماً يأكلون الذباب ويزعمون أنه دافع للرمد ولا يرمدون شيئاً البتة.
سلوق
مدينة بأرض اليمن قال ابن الحايك: كانت مدينة عظيمة ولها آثار عظيمة باقية يوجد بها قطاع الذهب والفضة والحلي وكان بها صناع الدروع المحكمة النسج قال الشاعر: نقل السّلوقيّ المضاعف نسجه ويوقد بالصّفّاح نار الحباحب وبها الكلاب الضواري وذاك لأن الكلاب بها يسفدها الذئاب فتأتي بالكلاب السلوقية وهي أخبث الكلاب قال الشاعر: منهم ضوارٍ من سلوق كأنّها حصنٌ تجول تجرّر الأرسانا سمهر قرية بالحبشة بها صناع الرماح السمهرية وهي أحسن الرماح قاله الصولي وقال غيره: إن هذه القرية في جوف النيل يأتيها من أرض الهند على رأس الماء كثير من القنا يجمعها أهل هذه القرية يستوقدون رذاله ويثقفون جيده ويبيعونه وهو بأرض الحبشة معروف يحمل منها إلى سائر البلاد والله الموفق.
سندابل
قصبة بلاد الصين ودار المملكة يشقها نهر أحد شقيه للملك والشق الآخر للعامة قال مسعر بن مهلهل: دخلتها وهي مدينة عظيمة قطرها مسيرة يوم ولها ستون شارعاً كل شارع ينفذ إلى دار الملك ولها سور ارتفاعه تسعون ذراعاً وعلى رأس السور نهر عظيم يتفرق ستين جزءاً كل جزء ينزل على باب من أبوابها تلقاه رحىً يصب إليها ثم إلى غيرها حتى يصب في الأرض.
ثم يخرج نصفه تحت السور يسقي البساتين ويدخل نصفه المدينة ويدور في الشوارع كلها وكل شارع فيه نهران: داخل يسقيهم وخارج يخرج بفضلاتهم.
وفيها من الزروع والبقول والفواكه والخيرات وأنواع الطيب كالقرنفل والدارصيني.
وبها أنواع الجواهر كاليواقيت ونحوها والذهب الكثير.
وأهلها حسان الوجوه قصار القدود عظام الرؤوس لباسهم الحرير وحليهم عظام الفيل والكركدن وأبوابهم آبنوس وفيهم عبدة الأوثان والمانوية والمجوس ويقولون بالتناسخ.
ومنها خاقان ملك الصين الموصوف بالعدل والسياسة له سلسلة من ذهب أحد طرفيها خارج القصر والطرف الآخر عند مجلس الملك ليحركها المظلوم فيعلم الملك.
ومن عادته ركوب الفيل كل جمعة والظهور للناس ومن كان مظلوماً يلبس ثوباً أحمر فإذا وقعت عليه عين الملك يحضره ويسأله عن ظلامته.
ومن ولد في رعيته أو مات يكتب في ديوان الملك لئلا يخفى عليه أحد.وبها بيت عبادة عظيم فيه أصنام وتماثيل ولأهلها يد باسطة في الصناعات الدقيقة يعبدون الأوثان ولا يذبحون الحيوان ومن فعل أنكروا عليه.
ولهم آداب حسنة للرعية مع الملك وللولد مع الوالد: فإن الوالد لا يقعد في حضور أبيه ولا يمشي إلا خلفه ولا يأكل معه.
قال ابن الفقيه: أهل الصين يقولون بالتناسخ ويعملون بالنجوم ولهم كتب يشتغلون بها والزنا عندهم مباح ولهم غلمان وقفوهم للواطة كما أن الهند وقفوا الجواري على البد للزنا وذلك عند سفلتهم لا عند أهل التمييز.
والملك وكل بالصناع ليرفع إلى الملك جميع المعمول فما أراد من ذلك اشتراه لخزانته وإلا يباع في السوق وما فيه عيب يمزقه.
وحكي أنه ارتفع ثوب إلى الملك فاستحسنه المشايخ كلهم إلا واحداً فسئل عن عيبه فقال إن هذا الثوب عليه صورة الطاووس وقد حمل قنو موز والطاووس لا يقدر على حمل قنو الموز فلو بعث الملك هذا الثوب هدية إلى بعض الملوك يقولون: أهل الصين ما يعرفون أن الطاووس لا يقدر على حمل قنو الموز.ناحية بين عدن وعمان على ساحل البحر.
ينسب إليها العنبر الشحري لأنه يوجد في سواحلها.
وبها غياض كثيرة يوجد بها النسناس.
حكى بعض العرب قال: قدمت الشحر فنزلت عند بعض رؤسائها وسألت عن النسناس فقال: إنا لنصيده ونأكله وهو دابة كنصف بدن الإنسان له يد واحدة ورجل وادة وكذلك جميع الأعضاء فقلت: أنا أحب أن أراه فقال لغلمانه: صيدوا لنا شيئاً منه.
فلما كان من الغد جاءوا بشيء له وجه كوجه الإنسان إلا أنه نصف الوجه وله يد واحدة في صدره وكذلك رجل واحدة فلما نظر إلي قال: أنا بالله وبك.
فقلت لهم: خلوا عنه.
فقالوا: لا تغتر بكلامه فإنه مأكولنا فلم أزل بهم حتى أطلقوه فمر مسرعاً كالريح.
فلما جاء الرجل الذي كنت عنده قال لغلمانه: أما قلت لكم صيدوا لنا شيئاً فقالوا: فعلنا لكن ضيفك خلى عنه.
فضحك وقال: خدعك والله! ثم أمرهم بالغدو إلى الصيد فغدوا بالكلاب وكنت معهم فصرنا إلى غيضة في آخر الليل فإذا واحد يقول: يا أبا مجمر إن الصبح قد أسفر والليل قد أدبر والقيض قد حضر فعليك بالوزر.
فقال الآخر: كلي ولا تراعي فأرسلوا الكلاب عليهم فرأيت أبا مجمر وقد اعتوره كلبان وهو يقول: الويل لي ممّا به دهاني دهري من الهموم والأحزان إنّكما حين تحارباني ألفيتماني خضلاً عناني لوبي شبابي ما ملكتماني حتى تموتا أو تركتماني فالتقياه وأخذاه فلما حضر الرجل على عادته أتوا بأبي مجمر مشوياً وذكر خبر النسناس في وبار أبسط من هذا.
شعب جبل باليمن فيه بلاد وقرى يقال لأهلها الشعبيون قتل بها الشنفرى فقال تأبط شراً وهو خال الشنفرى: إنّ بالشّعب من دون سلع لقتيلاً دمه ما يطلّ منها أبو عمرو عامر بن شراحيل الشعبي كان عالماً ورعاً فريد دهره ولي القضاء من قبل عبد الملك بن مروان بعثه إلى الروم رسولاً فأدخلوه على الملك من باب لص حتى ينحني للدخول فيقولون: خدم للملك فعرف الشعبي ذلك فدخله من خلفه فلما رأى صاحب الروم كمال عقله وحسن جوابه وخطابه قال له: أمن بيت الخلافة أنت قال: لا أنا رجل من العرب.
فكتب إلى عبد الملك: عجبت من قوم عندهم مثل هذا الرجل وولوا غيره أمرهم! فقال عبد الملك للشعبي: حسدني عليك أراد أن أقتلك! فقال الشعبي: إنما كهر أمير المؤمنين لأنه لم يرك! فقال: لله درك ما عدا ما في نفسي.
وحكي أن الشعبي جلس يوماً للقضاء فاحتكم إليه زوجان وكانت المرأة من أجمل النساء فأظهرت المرأة حجتها.
فقال للزوج: هل لك ما تدفع هذه فأنشأ يقول: فتن الشّعبيّ لمّا رفع الطّرف إليها فتنته بدلالٍ وتخطّى حاجبيها قال للجوّار قرّب ها وقرّب شاهديها فقضى جوراً على الخص م ولم يقض عليها قال الشعبي: دخلت على عبد الملك بن مروان فلما نظر إلي تبسم وقال: فتن الشّعبيّ لمّا رفع الطرّف إليها ثم قال: ما فعلت بقائل هذا قلت: أوجعت ظهره ضرباً يا أمير المؤمنين لما هتك حرمتي! فقال: أحسنت والله وأجملت! وحكي أن الشعبي دخل على قوم وهم يذكرونه بالسوء فقال: هنيئاً مريئاً غير داءٍ مخامرٍ لعزّة من أعراضنا ما استحلّت توفي سنة أربع ومائة عن اثنتين وثمانين سنة.
شمخ
قرية بأرض اليمن من عجائبها أن بها شقاً ينفذ إلى الجانب الآخر فمن لم يكن ولد رشدة لا يقدر على النفوذ فيه.
حكى رجل من مراد قال: وليت صدقات فبينا أنا أقسمها إذ قال لي رجل: ألا أريك عجباً قلت: نعم.
فأدخلني شعب جبل فإذا أنا بسهم من سهام عاد كأكبر ما يكون من رماحنا مفوقاً تشبث بذروة الجبل وعليه مكتوب: ألا هل إلى أبيات شمخٍ بذي اللوى لوى الرّمل من قبل الممات معاد بلادٌ بها كنّا وكنّا نحبّها إذ النّاس ناسٌ والبلاد بلاد ثم أخذ بيدي إلى الساحل فإذا بحجر يعلوه الماء طوراً ويظهر أخرى وعليه مكتوب: يا ابن آدم يا عبد ربه اتق الله ولا تعجل في رزقك فإنك لن تسبق رزقك ولن ترزق ما ليس لك ومن لم يصدق فلينطح هذا الحجر حتى ينفجر! شيلا بلدة من أواخر بلاد الصين في غاية الطيب لا يرى بها ذو عاهة من صحة هوائها وعذوبة مائها وطيب تربتها.
أهلها أحسن الناس صورة وأقلها أمراضاً وذكر أن الماء إذا رش في بيوتها تفوح منه رائحة العنبر وهي قليلة الآفات والعلل قليلة الذباب والهوام.
إذا اعتل إنسان في غيرها ثم نقل إليها زالت علله.
قال محمد بن زكرياء الرازي: من دخلها استوطنا ولا يخرج عنها لطيبها ووفور خيراتها وكثرة ذهبها.والله الموفق.
صنعاء
قصبة بلاد اليمن أحسن مدنا بناء وأصحها هواء وأعذبها ماء وأطيبها تربة وأقلها أمراضاً ذكر أن الماء إذا رش في بيوتها تفوح منه رائحة العنبر وهي قليلة الآفات والعلل قليلة الذباب والهوام.
إذا اعتل إنسان في غيرها ونقل إليها يبرأ وإذا اعتلت الإبل وأرعيت في مروجها تصح واللحم يبقى بها أسبوعاً لا يفسد.
بناها صنعاء بن ازال بن عنير بن عابر بن شالح شبهت بدمشق في كثرة بساتينها وتخرق مياهها وصنوف فواكهها.قال محمد بن أحمد الهمذاني: أهل صنعاء في كل سنة يشتون مرتين ويصيفون مرتين فإذا نزلت الشمس نقطة الحمل صار الحر عندهم مفرطاً فإذا نزلت أول السرطان زالت عن سمت رؤوسهم فيكون شتاء فإذا نزلت أول الميزان يعود الحر إليهم مرة ثانية فيكون صيفاً وإذا صارت إلى الجدي شتوا مرة ثانية غير أن شتاءهم قريب من الصيف في كيفية الهواء.
قال عمران بن أبي الحسن: ليس بأرض اليمن بلد أكبر من صنعاء وهو بلد بخط الاستواء بها اعتدال الهواء لا يحتاج الإنسان إلى رحلة الشتاء والصيف وتتقارب ساعات نهارها.
وكان من عجائب صنعاء غمدان الذي بناه التبابعة قالوا: بانيه ليشرخ ابن يحصب قال ابن الكلبي: اتخذه على أربعة أوجه: وجه أحمر ووجه أبيض ووجه أصفر ووجه أخضر وبنى في داخله قصراً على سبعة سقوف بين كل سقفين أربعون ذراعاً فكان ظله إذا طلعت الشمس يرى على ماء بينهما ثلاثة أميال وجعل في أعلاه مجلساً بناه بالرخام الملون وجعل سقفه رخامة واحدة وصير على كل ركن من أركانه تمثال أسد إذا هبت الريح يسمع منها زئير الأسد وإذا أسرجت المصابيح فيه ليلاً كان سائر القصر يلمع من ظاهره كما يلمع البرق وفيه قال ذو جدن الهمداني: وغمدان الذي حدّثت عنه بناه مشيّداً في رأس نيق مصابيح السّليط يلحن فيه إذا أمسى كتوماض البروق فأضحى بعد جدّته رماداً وغيّر حسنه لهب الحريق وقال أمية بن أبي الصلت يمدح سيف بن ذي يزن في قصيدة آخرها: فاشرب هنيئاً عليك التاج مرتفقاً في رأس غمدان داراً منك محلالا تلك المكارم لا قعبان من لبنٍ شيبا بماء فصارا بعد أبوالا وذكر أن التبابعة إذا قعدوا على هذا القصر وأشعلوا شموعهم يرى ذلك على مسيرة أيام.
حكي أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لما أمر بهدم غمدان قالوا له: إن الكهنة يقولون هادم غمدان مقتول! فأمر بإعادته فقالوا له: لو أنفقت عليه خراج الارض ما أعدته كما كان فتركه ولما خربه وجد على خشبة من أخشابها مكتوباً: اسلم غمدان هادمك مقتول.
فهدمه عثمان بن عفان فقتل.
ووجد على حائط ايوان من مجالس تبع مكتوباً: صبراً الدّهر نال منك فهكذا مضت الدهور فرحٌ وحزنٌ بعده لا الحزن دام ولا السّرور وبصنعاء جبل الشب وهو جبل على رأسه ماء يجري من كل جانب وينعقد حجراً قبل أن ومن عجائب صنعاء ما ذكر أنه كان بها قبة عظيمة من جمجمة رجل.
وبها نوع البر حبتان منه في كمام ليس في شيء من البلاد غيرها وبها الورس وهو نبت له خريطة كالسمسم زرع سنة يبقى عشرين سنة.
وحكي أن أمير اليمن لما آل إلى الحبشة بنى أبرهة بن الصبا بها كنيسة لم ير الناس أحسن منها وسماها القليس وزينها بالذهب والفضة والجواهر وكتب إلى النجاشي: إني بنيت لك كنيسة ليس لأحد مثلها من الملوك وأريد أصرف إليها حج العرب.
فسمع ذلك بعض بني مالك بن كنانة فأتاها وأحدث فيها فسأل أبرهة عنه فقالوا: إنه من أهل البيت الذي يحج إليه العرب.
فغضب وآلى ليسيرن إلى الكعبة ويهدمنها ثم جاء بعسكره وفيلته فأرسله الله تعالى عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول.
وبها الجنة التي أقسم أصحابها لنصرمنها مصبحين وهي على أربعة فراسخ من صنعاء وكانت تلك الجنة لرجل صالح ينفق ثمراتها على عياله ويتصدق على المساكين فلما مات الرجل عزم أصحابه على أن لا يعطو للمساكين شيئاً فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين فلما رأوها قالوا إنا لضالون يعني ما هذا طريق بستاننا فلما رأوا الجنة محترقة قالوا: بل نحن محرومون.
ويسمى ذاك الوادي الضروان وهو واد ملعون حجارته تشبه أنياب الكلاب لا يقدر أحد أن يطأها ولا ينبت شيئاً ولا يستطيع طائر أن يطير فوقه فإذا قاربه مال عنه قالوا: كانت النار تتقد فيها ثلاثمائة سنة.
الصين
بلاد واسعة في المشرق ممتدة من الإقليم الأول إلى الثالث عرضها أكثر من طولها قالوا: نحو ثلاثمائة مدينة في مسافة شهرين.
وانها كثيرة المياة كثيرة الأشجار كثيرة الخيرات وافرة الثمرات من أحسن بلاد الله وأنزهها وأهلها أحسن الناس صورة وأحذقهم بالصناعات الدقيقة لكنهم قصار القدود عظام الرؤوس لباسهم الحرير وحليهم عظام الفيل والكركدن ودينهم عبادة الأوثان.
وفيهم مانوية ومجوس ويقولون بالتناسخ ولهم بيوت العبادات.
من عجائب الصين الهيكل المدور قال المسعودي: هذا الهيكل بأقصى بلاد الصين وله سبعة أبواب في داخله قبة عظيمة البنيان عالية السمك وفي أعلى القبة شبه جوهرة كرأس عجل يضيء منها جميع أقطار الهيكل وان جمعاً من الملوك حاولوا أخذ تلك الجوهرة فما تمكنوا من ذلك فمن دنا منها قدر عشرة أذرع خر ميتاً وإن حاول أخذها بشيء من الآلات الطوال فإذا انتهت إليها هذا المقدار انعكست.
وكذلك إن رمى إليها شيئاً وإن تعرض أحد لهدم الهيكل مات وفي هذا الهيكل بئر واسعة الرأس من أكب عليها وقع في قعرها وعلى رأس البئر شبه طوق مكتوب عليه: هذه البئر مخزن الكتب التي هي تاريخ الدنيا وعلوم السماء والأرض وما كان فيها وما يكون وفيها خزائن الأرض لكن لا يصل إليها إلا من وازن علمه علمنا فمن قدر عليه علمه كعلمنا ومن عجز فليعلم أنه دوننا في العلم.
والأرض التي عليها هذا الهيكل أرض حجرية عالية كجبل شامخ لا يرام قلعه ولا يتأتى نقبه وإذا رأى الناظر إلى تلك الهيكل والقبة والبئر وحسن بنيتها مال قلبه إليها وتأسف على فساد شيء منها.
ومن عجائب الصين ما ذكر صاحب تحفة الغرائب ان بها طاحونة يدور حجرها التحتاني والفوقاني ساكن ويخرج من تحت الحجر دقيق لا نخالة فيه ونخالة لا دقيق فيها كل واحد منهما منفرد عن الآخر.
وبها قرية عندها غدير فيه ماء في كل سنة يجتمع أهل القرية ويلقون فرساً في ذلك الغدير والناس يقفون على أطرافه كلما أراد الفرس الخروج من الماء منعوه وما دام الفرس في الماء يأتيهم المطر فإذا أمطروا قدر كفايتهم وامتلأ الغدير أخرجوا الفرس وذبحوه على قلة جبل وتركوه حتى يأكله الطير فإن لم يفعلوا ذلك في شيء من السنين لم يمطروا.وبأرض الصين الذهب الكثير والجواهر واليواقيت في جبل من جبالها وبها من الخيرات الكثيرة من الحبوب والبقول والفواكه والسكر وفي جزائرها أشجار الطيب كالقرنفل والدارصيني ونحوها قالوا: القرنفل تأتي بها السيول من جبال شامخة لا وصول إليها وبها من الهوام والحشرات والحيات والعقارب شيء كثير ولا تظهر بالصيف لأنها ملتفة بأشجارها تأكل من ثمارها وأوراقها وتظهر في الشتاء.
ولأهل الصين يد باسطة في الصناعات الدقيقة ولا يستحسنون شيئاً من صناعات غيرهم وأي شيء رأوا أخذوا عليه عيباً ويقولون: أهل الدنيا ما عدانا عمي إلا أهل كابل فإنهم عور! وبالغوا في تدقيق صنعة النقوش حتى انهم يصورون الإنسان الضاحك والباكي ويفصلون بين ضحك السرور والخجالة والشماتة وإذا أراد ملكهم شيئاً من المتاع يعرضه على أرباب الخبرة ولا يتركه في خزائنه إلا إذا وافقوا على جودته.
وحكي أن صانعاً اتخذ ثوباً ديباجاً عليه صورة النابل وقعت عليها العصافير فعرضها الملك على أرباب الخبرة واستحسنوها إلا صانع واحد قال: العصافير إذا وقعت على السنابل أمالتها وهذا المصور عملها قائمة لا ميل فيها.
فصدقه الحاضرون وتعجبوا من دقة نظره في الصنعة.ومن خواص بلاد الصين انه قلما يرى بها ذو عاهة كالأعمى والزمن ونحوهما وان الهرة لا تلد بها.
وقال محمد بن أبي عبد الله: رأيت في غياض الصين إنساناً يصيح صياح القردة وله وبر كوبر الرد ويداه تنالان ساقيه إذا بسطهما قائماً.
ويكون على الأشجار يثب من شجرة إلى شجرة وبينهما عشرة أذرع.
وقال ابن الفقيه: بالصين دابة المسك وهي دابة تخرج من الماء في كل سنة في وقت معلوم فيصطاد منها شي كثير وهي شديدة الشبه بالظباء فتذبح ويؤخذ الدم من سرتها وهو المسك ولا رائحة له هناك حتى يحمل إلى غيرها من الأماكن.
وبها الغضائر الصيني التي لها خواص وهي بيضاء اللون شفافة وغير شفافة لا يصل إلى بلادنا منها شيء والذي يباع في بلادنا على أنه صيني معمول بلاد الهند بمدينة يقال لها كولم والصيني أصلب منه وأصبر على النار وخزف الصين أبيض قالوا: يترشح السم منه وخزف كولم أدكن.
وطرائف الصين كثيرة: الفرند الفائق والحديد المصنوع الذي يقال له طاليقون يشترى بأضعافه فضة ومناديل الغمر من جلد السمندل والطواويس العجيبة والبرادين الغرة التي لا نظير لها في ظفار مدينة قرب صنعاء كان بها مسكن ملوك حمير وفيها قيل: من دخل ظفار حمر أي تكلم بالحميرية وسببه أنه دخل رجل من العرب على ملك من ملوك حمير وهو على موضع عال فقال له الملك: ثب فوثب الرجل من العلو فانكسرت رجله ومعنى ثب بالحميرية اقعد فقال الملك: ليس عندنا عربية من دخل ظفار حمر.
ينسب إليها الجزع الظفاري الجيد وحكي انه مكتوب على سور ظفار على حجر منها بقلم الأوائل: يوم شيدت ظفار قيل لمن أنت قالت: لحمير الأخيار! ثم سئلت بعد ذلك فقالت: للأحبش الأشرار! ثم سئلت بعد ذلك فقالت: للفرس الأخيار! ثم سئلت بعد ذلك فقالت: لقريش التجار! ثم سئلت بعد ذلك فقالت: لحمير سنجار وقليلاً ما يلبث القوم فيها ثم يأتيهم البوار من أسود يلقيهم في البحر ويشعل النار في أعلى الديار.
وبها اللبان الذي لا يوجد في الدنيا إلا في جبالها وانه غلة لسلطانها وانه من شجر ينبت في تلك المواضع مسيرة ثلاثة أيام في مثلها فيأتيها أهل ظفار ويجرحون أشجارها بالسكين فيسيل منها اللبان فيجمعونه ويحملونه إلى ظفار فيأخذ السلطان قسطه ويعطيهم الباقي.كورة على ساحل بحر اليمن في شرقي هجر تشتمل على مدن كثيرة سميت بعمان بن بغان بن إبراهيم الخليل عليه السلام والبحر الذي يليه منسوب إليه يقال بحر عمان.
روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إني لأعلم أرضاً من أرض العرب يقال لها عمان على شاطيء البحر الحجة منها أفضل أو خير من حجتين من غيرها.
وعن الحسن البصري هو المراد من قوله تعالى: يأتين من كل فج عميق يعني من عمان وعن النبي صلى الله عليه وسلم: من تعذر عليه الرزق فعليه بعمان.
وأما حرها فمما يضرب به المثل.
بها اجتماع الخوارج الإباضية في زماننا هذا وليس بها من غير هذا المذهب إلا غريب وهم أتباع عبد الله بن اباض الذي ظهر في زمن مروان ابن محمد آخر بني أمية وقد قتل وكفي شره.
وحكى ابن الأثير في تاريخه: إنه في سنة خمس وسبعين وثلاثمائة خرج بعمان طائر من البحر أكبر من فيل ووقف على تل هناك وصاح بصوت عال ولسان فصيح: قد قرب! قد قرب! قد قرب! ثم غاص في البحر فعل ذلك ثلاثة أيام ثم غاب ولم ير بعد ذلك.مدينة كبيرة في جنوب بلاد المغرب متصلة ببلاد التبر يجتمع إليها التجار ومنها يدخلون بلاد التبر ولولاه لتعذر عليهم ذلك وهي أكثر بلاد الله ذهباً لأنها بقرب معدنها ومنها يحمل إلى سائر البلاد وبها من النمور شيء كثير وأكثر لباس أهلها جلد النمر.
وحكى الفقيه أبو الربيع الملتاني أن في طريق غانة من سجلماسة إليها أشجاراً عظيمة مجوفة يجتمع في تجاويفها مياه الأمطار فتبقى كالحياض والمطر في الشتاء بها كثير جداً فتبقى المياه في تجاويف تلك الأشجار إلى زمان الصيف فالسابلة يشربونها في مرورهم إلى غانة ولولا تلك المياه لتعذر عليهم المرور إليها ويتخذون أقتاب البعران من خشب الصنوبر فإن مات البعير فقتب رحله يفيء بثمنه.
غدامس
مدينة بالمغرب في جنوبيه ضاربة في بلاد السودان يجلب منها الجلود الغدامسية وهي من أجود الدباغ لا شيء فوقها في الجودة كأنها ثياب الخز في النعومة.
بها عين قديمة يفيض الماء منها ويقسمها أهل البلد قسمة معلومة فإن أخذ أحد زائداً غاض ماؤها وأهل المدينة لا يمكنون أحداً يأخذ زائداً خوفاً من النقصان.
وأهلها بربر مسلمون قاع برية بين عمان وحضرموت من العجائب أن التاجر يمر بها إلى عمان بسلعته ليبيعها فيسمع في تلك البرية: فلان بن فلان معه سلعة تساوي كذا ديناراً أو درهماً! فيدخل عمان لم يزد على ذلك شيء أصلاً والله الموفق.
قلعة الشرف قلعة حصينة باليمن قرب زبيد لا يمكن استخلاصها قهراً لأنها بين جبال لا يوصل إليها إلا في مضيق لا يسمع إلا رجلاً واحداً مسيرة يوم وبعض يوم ودونه غياض أوى إليه علي بن المهدي الحميري المستولي على زبيد سنة خمسين وخمسمائة.
والله الموفق.
كاكدم
مدينة بأقصى المغرب جنوبي البحر متاخمة لبلاد السودان منها صناع أسلحة.
منها الرماح والدرق اللمطية من جلد حيوان يقال له اللمط لا يوجد إلا هناك وهو شبه الظباء أبيض اللون إلا أنه أعظم خلقاً يدبغ جلده في بلادهم باللبن وقشر بيض النعام سنة كاملة لا يعمل فيه الحديد أصلاً إن ضرب بالسيوف نسبت عنه وإن أصابه خدش أو بتر يبل بالماء ويمسح باليد فيزول عنه يتخذ منه الدرق والجواشن قيمة كل واحد منها ثلاثون ديناراً وحكى الفقيه علي الجنحاني: انه مر بقرب كاكدم بل عال والناس يقولون من صعد هذا التل اختطفه الجن وعنده مدينة النحاس التي اشتهر ذكرها وسيأتي ذكرها في موضعه إن شاء الله تعالى.
كله بلدة بأرض الهند في منتصف الطريق بين عمان والصين موقعها في المعمورة في وسط خط الاستواء إذا كان منتصف النهار لا يبقى لشيء من الأشخاص ظل البتة.
بها منابت الخيزران منها يحمل إلى سائر البلاد.
كنام
قال عبد الله بن عمرو بن العاص: هي أرض بين الصين والهند من عجائب الدنيا بها بطة من نحاس على عمود من نحاس أيضاً فإذا كان يوم عاشوراء نشرت البطة جناحيها ومدت رقبتها فيفيض من الماء ما يكفيهم لزروعهم ومواشيهم إلى القابل.
كوار
ناحية من بلاد السودان جنوبي فزان بها عين الفرس قيل: إن عقبة ابن عامر ذهب إلى كوار غازياً فنزل ببعض منازلها فأصابهم عطش حتى أشرفوا على الهلاك فقام عقبة وصلى ركعتين ودعا الله تعالى فجعل فرس عقبة يبحث في الأرض حتى كشف عن صفاة فانفجر منها الماء وجعل الفرس يمصه فرأى عقبة ذلك فنادى في الناس أن احتفروا فحفروا وشربوا فسمي ذلك الماء ماء الفرس وافتتح كوار وقبض على ملكها ومن عليه وفرض عليه مالاً.
لنجوية
جزيرة عظيمة بأرض الزنج بها سرير ملك الزنج وإليها تقصد المراكب من جميع النواحي من عجائبها كروم بها تطعم في كل سنة ثلاث مرات كلما انتهى أحدها أخرج الآخر.
مأرب
كورة بين حضرموت وصنعاء لم يبق بها عامراً إلا ثلاث قرى يسمونها الدروب كل قرية منسوبة إلى قبيلة من اليمن وهم يزرعونها على الماء الذي جاء من ناحية السد يسقون أرضهم سقية واحدة ويزرعون عليه ثلاث مرات في كل عام فيكون بين زرع الشعير وحصاده في ذلك الموضع نحو شهرين.
وكان بها سيل العرم الذي جرى ذكره في سبأ.
ذكروا أن مياه جبالها تجتمع هناك وسيول كثيرة ولها مخرج واحد فالأوائل قد سدوا ذلك المخرج بسد محكم وجعلوا لها مثاعب يأخذون منها قدر الحاجة فاجتمعت المياه بطول الزمان وصار بحراً عظيماً خارج السد وداخله عمارات وبساتين ومزارع فسلط الله تعالى الجرذ على السد يحفره بأنيابه ويلعه بمخاليبه حتى سد الوادي الذي نحو البحر وفتح مما يلي السد فغرقت البلاد حتى لم يبق إلا ما كان على رؤوس الجبال وذهبت الحدائق والجنان والضياع والدور والقصور وجاء السيل بالرمل فطمها وهي على ذلك إلى اليوم كما أخبر الله تعالى فجعلهم الله أحاديث ومزقهم كل ممزق.
والعرم المسناة بنتها ملوك اليمن بالصخر والقار حاجزاً بين السيول والضياع ففجرته فأرة ليكون أظهر في الأعجوبة قال الأعشى: ففي ذلك للمؤتسي أسوةٌ ومأرب عفّى عليها العرم رخامٌ بنته لهم حميرٌ إذا ما نأى ماؤهم لم يرم فأروى الحروث وأعنابها على سعةٍ ماؤهم إن قسم فكانوا بذلكم حقبةً فمال بهم جارفٌ منهدم مذيخرة قلعة حصينة قرب عدن على قلة جبل لا سبيل للفكر إلى استخلاصها إذ لا مصير إليها إلا من طريق واحد وهو صعب جداً وفيها عين عظيمة على رأس الجبل تسقي عدة قرى.
قال الاصطخري: أعلى هذا الجبل نحو من عشرين فرسخاً فيها مزارع ومياه كثيرة ونباتها الورس تغلب عليها محمد بن الفضل القرمطي الذي خرج من اليمن وقصته مشهورة والله الموفق.
مرباط
مدينة بين حضرموت وعمان وهي فرضة ظفار لأن ظفار مرساها غير جيد بها اللبان يحمل منها إلى سائر البلدان وهو غلة للملك.
أهلها عرب موصوفون بقلة الغيرة وذلك ان كل ليلة نساؤهم يخرجن إلى خارج المدينة ويسامرن الرجال الأجانب ويجالسنهم ويلاعبنهم إلى نصف الليل فيجوز الرجل على زوجته وأخته وأمه وهي تلاعب آخر وتحادثه فيعرض عنها ويمشي إلى زوجة غيره يحادثها.
وقال صاحب معجم البلدان: رأيت بجزيرة قيس رجلاً عاقلاً أديباً من مرباط فقلت له: بلغني منكم حديث أنكرته.
فقال: لعلك تقول عن السمر فقلت: نعم أخبرني أصحيح أم لا فقال: إنه صحيح! وبالله أقسم إنه لقبيح ولكن على ذلك نشأنا ولو استطعنا لأزلناه ولكن لا سبيل إلى إزالته! مسور مخلاف باليمن بها قرى كثيرة ومزارع وأودية كثيرة من خواصها العجيبة أن البر والشعير والذرة يبقى بها مدة طويلة لا يتغير وذكر أنهم ادخروا حنطة فرأوها بعد ثلاثين سنة ولم يتغير منها شيء.
مقدشو مدينة في أول بلاد الزنج في جنوبي اليمن على ساحل البحر.
وأهلها عرباء لا سلطان لهم ويدبر أمرهم المتقدمون على الاصطلاح وحكى التجار أنهم يرون بها القطب الجنوبي مقارباً لوسط السماء وسهيلاً ولا يرون القطب الشمالي البتة وانهم يرون هناك شيئاً مقدار جرم القمر شبه قطعة غيم بيضاء لا يغيب أبداً ولا يبرح مكانه يحمل منها الصندل والآبنوس والعنبر والعاج إلى غيرها من البلاد.
مقرى
قرية على مرحلة من صنعاء بها معدن العقيق ونيله من أجود أنواع العقيق حكى معالجوه أنهم يجدون قطعة نحو عشرين مناً فيكسر ويلقى في الشمس عند شدة الحر ثم يسجر له التنور بأبعار الإبل ويجعلونه في شيء يكنه عن ملامسة النار فسير منه ماء يجري في مجرى وضعوه له ثم يستخرجونه لم يبق منه إلا الجوهر وما عداه صار رماداً.
مهرة
أرض باليمن قال ابن الفقيه: بها شجرة إذا كانت الأشهر الحرم هطل منها الماء فيمتليء منه الحياض والمصانع وإذا مرت الأشهر الحرم انقطع الماء.
منها النجائب المهرية وانها كريمة جداً ذكر أن سليمان بن عبد الملك كتب إلى عامله باليمن ليشتري له نجائب مهرية فطلبوا فلم يجدوا شيئاً فقدم رجل من بجيلة على جمل عظيم الهامة فساوموه فقال: لا أبيعه فقالوا: لا نغصبك ولا ندعك لكن نحبسك ونكاتب أمير المؤمنين حتى يأتينا أمره! فقال: هلا خيراً من هذا قالوا: وما هو قال: معكم نجائب كرام وخيل سبق دعوني حتى أركب جملي واتبعوني فإن لحقتموني فهو لكم بغير ثمن ثم قال: تأهبوا.
فصاح في أذنه ثم أثاره.
فوثب وثبة شديدة فتبعوه فلم يدركوه.قال الليث: هو أرض بين اليمن وجبال يبرين من محال عاد فلما أهلكوا أورث الله أرضهم الجن فلا يتقاربها أحد من الناس.
قال أهل لاسير: هي مسماة بوبار بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام وهي ما بين الشحر إلى صنعاء زهاء ثلاثمائة فرسخ في مثلها.
قال أحمد بن محمد الهمذاني: وبار كانت أكثر الأرضين خيراً وأخصبها ضياعاً وأكثرها شجراً ومياهاً وثمراً فكثرت بها القبائل وعظمت أموالهم وكانوا ذوي أجسام فأشروا وبطروا لم يعرفوا حق نعم الله تعالى عليهم فبدل الله تعالى خلقهم وصيرهم نسناساً لأحدهم نصف رأس ونصف وجه وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة فخرجوا يرعون في تلك الغياض على شاطيء البحر كما ترى البهائم وهم فيما بين وبار وأرض الشحر وأطراف اليمن يفسدون الزرع فيصيدهم أهل تلك الديار بالكلاب ينفرونهم عن زروعهم وحدائقهم.
حكى ابن الكيس النمري قال: كنا في رفقة أضللنا الطريق فوقعنا في غيضة على ساحل البحر لا يدرك طرفاه فإذا أنا بشيخ طويل كالنخلة له نصف رأس ونصف بدن وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة فأسرع مثل حضر الفرس العتيق وهو يقول: فررت من جور الشّراة شدّا إذ لم أجد من الفرار بدّا زعم العرب أن سكان أرض وبار جن ولا يدخلها إنسي أصلاً فإن دخلها غالظاً أو عامداً حثوا في وجهه التراب فإن أبى إلا الدخول خبلوه أو قتلوه أو ضل فيها ولا يعرف له خبر ولهذا قال الفرزدق: ولقد ضللت أباك تطلب دارماً كضلال ملتمسٍ طريق وبار لا تهتدي به أبداً ولو بعثت به بسبيل واردةٍ ولا آثار منها الإبل الحوشية تزعم العرب أنها التي ضربها إبل الجن وهي إبل لم ير أحسن منها قال الشاعر: كأني على حوشيّةٍ أو نعامةٍ لها نسبٌ في الطّير أو هي طائر حكي أن رجلاً من أهل اليمن يوماً رأى في إبله فحلاً كأنه كوكب بياضاً وحسناً فأقره فيها تى ضرب إبله فلما لقحها لم يره حتى كان العام المقبل وقد نتجت النوق أولاداً لم ير أحسن منها وهكذا في السنة الثانية والثالثة.
فلما ألقحها وأراد الانصراف هدر فاتبعه سائر ولده فتبعها الرجل حتى وصل إلى أرض وبار فرأى هناك أرضاً عظيمة وبها من الإبل الحوشية والبقر والحمير والظباء ما لا يحصى كثرةً ورأى نخلاً كثيراً حاملاً وغير حامل والتمر ملقى حول النخل قديماً وحديثاً بعضه على بعض ولم ير أحداً من الناس فبينا هو كذلك إذ أناه آت من الجن وقال له: ما وقوفك ها هنا فقص عليه قصته وما كان من الإبل فقال له: لو كنت فعلت ذلك على معرفة لقتلتك! وإياك والمعاودة فإن ذاك لفحل من إبلنا عمد إلى أولاده فجاء بها.
وأعطاه جملاً وقال: انج بنفسك وهذا الجمل لك.
قالوا: إن النجائب المهرية من نسل ذلك الجمل.
ورور حصن منيع في جبال صنعاء من استولى عليه يختل دماغه يدعي نبوة أو خلافة أو سلطنة ولما استولى عليه عبد الله بن حمزة الزيدي ادعى الإمامة وأجابه خلق من اليمن زعم أنه من ولد أحمد بن الحسين بن القاسم بن إسمعيل ابن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب ورواة الأنساب يقولون: ان أحمد لم يعقب وكان ذا لسان وبلاغة وله تصانيف في مذهب الزيدية وله أشعار منها: لا تحسبوا أنّ صنعا جلّ مأربتي ولا ذمار إذا أشمتّ حسّادي واذكر إذا شئت تشجيني وتطريبي كرّ الجياد على أبواب بغداد اليمن بلاد واسعة من عمان إلى نجران تسمى الخضراء لكثرة أشجارها وزروعها تزرع في السنة أربع مرات ويحصد كل زرع في ستين يوماً وتحمل أشجارهم في السنة مرتين.
وأهلها أرق الناس نفوساً وأعرفهم للحق سماهم الله تعالى الناس حيث قال: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس وقال صلى الله عليه وسلم: إني لأجد نفس الرحمن من صوب اليمن.
أراد به نصرة الأوس والخزرج.
وقال أيضاً: الإيمان يمان والحكمة يمانية.
قال الأصمعي: أربعة أشياء قد ملأت الدنيا ولا تكون إلا باليمن: الورس والكندر والخطر والعقيق.
وبها الأحقاف وهي الآن تلال من الرمل بين عدن وحضرموت وكانت مساكن عاد أعمر بلاد الله وأكثرها عمارة وزرعاً وشجراً فلما سلط الله تعالى عليهم الريح طمها بالرمل وهي إلى الآن تحت تلك الأحقاف جعلها الله تعالى عبرة للناظرين وخبرة للغابرين كما قال تعالى: أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها.
وبها قصران من قصور عاد ولما بعث معاوية عبد الرحمن بن الحكم إلى اليمن والياً بلغه أن بساحل عدن قصرين من قصور عاد وان في بحرها كنزاً فطمع فيه وذهب في مائة فارس إلى ساحل عدن إلى أقرب القصرين فرأى ما حولهما من الأرض سباخاً بها آثار الآبار ورأى قصراً مبنياً بالصخر والكلس وعلى بعض أبوابه صخرة عظيمة بيضاء مكتوب عليها: غنينا زماناً في عراضة ذا القصر بعيشٍ رخيٍّ غير ضنكٍ ولا نزر يفيض علينا البحر بالمدّ زاخراً وأنهارنا بالماء مترعةٌ تجري خلال نخيلٍ باسقاتٍ نواضرٍ تأنّق بالقسب المجزّع والتّمر ونصطاد صيد البرّ بالخيل والقنا وطوراً نصيد النّون من لجج البحر ونرفل في الخزّ المرقّم تارةً وفي القزّ أحياناً وفي الحلل الخضر يلينا ملوكٌ يبعدون عن الخنا شديدٌ على أهل الخيانة والغدر يقيم لنا من دين هودٍ شرائعاً ويؤمن بالآيات والبعث والنّشر إذا ما عدوّ حلّ أرضاً يريدنا برزنا جميعاً بالمثقّفة السّمر نحامي على أولادنا ونسائنا على الشّهب والكمت المعانيق والشّقر نقارح من يبغي علينا ويعتدي بأسيافنا حتى يولّون بالدّبر ثم مضى إلى القصر الآخر وبينهما أربعة فراسخ فرأى حوله آثار الجنان والبساتين.
قال: غنينا بهذا القصر دهراً فلم يكن لنا همّةٌ إلاّ التّلذّذ والقصف يروح علينا كلّ يومٍ هنيدةٌ من الإبل يعشو في معاطنها الطّرف وأضعاف تلك الإبل شاءٌ كأنّها من الحسن آرامٌ أو البقر القطف فعشنا بهذا القصر سبعة أحقبٍ بأطيب عيشٍ جلّ عن ذكره الوصف فجاءت سنونٌ مجدباتٌ قواحلٌ إذا ما مضى عامٌ أتى آخرٌ يقفو فظلنا كأن لم تغن في الخير لمحةٌ فماتوا ولم يبق خفٌّ ولا ظلف كذلك من لم يشكر الله لم تزل معالمه من بعد ساحته تعفو قال: فعجبنا من ذلك ثم مضينا إلى الساحل الذي ذكر أن فيه كنزاً فأمرنا الغواصين فغاصوا وأخرجوا جراراً من صفر مطبقة بصفر فلم نشك انه مال حتى جمعت جرار كثيرة ففتحنا بعضها فخرج منها شيطان وقال: يا ابن آدم إلى متى تحبسنا فبينا نحن نتعجب من ذلك إذ رأينا سواداً عظيماً أقبل من جزيرة قريبة من الساحل ففزعنا فزعاً فاقتحم الماء وأقبل نحونا فإذا هي قردة قد اجتمع منها ما لا يعلم عددها إلا الله.
وكانت تلك الجزيرة مأواها وأمامها قرد عظيم في عنقه لوح حديد معلق بسلسلة فأقبل إلينا ورفع اللوح نحونا فأخذنا اللوح من عنقه فإذا فيه كتابة بالسريانية وكان معنا من يحسن قراءتها فقرأها فإذا هي: بسم الله العظيم الأعظم.
هذا كتاب من سليمان بن داود رسول الله لمن في هذه الجزيرة من القردة إني قد أمرتهم بحفظ هؤلاء الشياطين المحبسين في هذه الناحية في هذه الجرار الصفر وجعلت لهن أماناً من جميع الجن والإنس فمن أرادهن أو عرض لهن فهو بريء مني وأنا بريء منه في الدنيا والآخرة.
فأردنا أن نمضي باللوح إلى معاوية لينظر إليه فلما ولينا وقفت القردة كلها أمامنا وحاصرتنا وضجت ضجة فرددنا اللوح إليها فأخذته واقتحمت الماء وعادت إلى الجزيرة.
ومن عجائب اليمن ما ذكر ابن فنجويه أن بأرض عاد تمثالاً على هيئة فارس.
ومياه تلك الأرض كلها ملحة فإذا دخلت الأشهر الحرم يفيض من ذلك التمثال ماء كثير عذب لا يزال يجري إلى انقضاء الأشهر الحرم وقد تطفحت حياضهم من ذلك الماء فيكفيهم إلى تمام السنة قال الشاعر: وبأرض عادٍ فارسٌ يسقيهم بالعين عذباً كالفرات السّائح في الأشهر الحرم العظيمة قدرها يغنون عن شرب الزّعاق المالح فإذا انقضى الشّهر الحرام تطفّحت تلك الحياض بماء عين السّافح وبها جبل الشب وعلى رأس هذا الجبل ماء يجري من كل جانب وينعقد حجراً قبل أن وبها جبل شبام قال محمد بن أحمد بن إسحاق الهمذاني: إنه جبل عظيم بقرب صنعاء بينها وبينه يوم واحد وهو صعب المرتقى ليس إليه إلا طريق واحد وذروته واسعة فيها ضياع كثيرة مزارع وكروم ونخيل والطريق إليها في دار الملك وللجبل باب واحد مفتاحه عند الملك فمن أراد النزول إلى السهل استأذن الملك حتى يأذن بفتح الباب له وحول تلك الضياع والكروم جبال شاهقة لا تسلك ولا يعلم أحد ما وراءها إلا الله.
ومياه هذا الجبل تنسكب إلى سد هناك فإذا امتلأ السد ماء فتح ليجري إلى صنعاء ومخاليفها.
وبها جبل كوكبان إنه بقرب صنعاء عليه قصران مبنيان بالجواهر يلمعان بالليل كالكوكبين ولا طريق إليهما.
قيل: إنهما من بناء الجن.
وبها نهر اليمن قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض اليمن نهر عند طلوع الشمس يجري من المشرق إلى المغرب وعند غروبها من المغرب إلى المشرق.
وبها العلس وهو نوع من الحنطة حبتان منه في كمام لا يوجد إلا باليمن وهو طعام أهل صنعاء.
وبها الورس وهو نبت له خريطة كما للسمسم ذكروا انه يزرع سنة ويبقى عشرين سنة.
وبها الموز وهي ثمرة شبيهة بالعنب إلا أنه حلو دسم لا تحمل شجرتها إلا مرة واحدة.وبها نوع من الكمثرى من أكل منها واحدة يطلق عشر مرات وان أكل اثنتين يطلق عشرين مرة وإن أكل ثلاثاً يطلق ثلاثين.
ويتخذ منه عسل يلعق منه صاحب القولنج فينفتح في الحال.
ويجلب منها سيوف ليس في شيء من البلاد مثلها ويجلب منها البرود اليمانية وقرودها أخبث القرود وأسرع قبولاً للتعليم.
وبها الغدار وهو نوع من المتشيطنة يوجد بأكناف اليمن يلحق الإنسان ويقع عليه فإذا أصيب الإنسان منه يقول أهل تلك النواحي: أمنكوح هو أم مذعور فإن قالوا منكوح أيسوا منه وإن كان مذعوراً سكن روعه وشجع ومن الناس من لم يكترث به لشجاعة نفسه.
وحكي عن الشافعي أنه قال: دخلت بلدة من بلاد اليمن فرأيت فيها إنساناً من وسطه إلى أسفله بدن امرأة ومن وسطه إلى فوقه بدنان متفرقان بأربع أيد ورأسين ووجهين وهما يتلاطمان مرة ويصطلحان أخرى ويأكلان ويشربان.
ثم غبت عنهما سنين ورجعت فسألت عنها فقيل لي: أحسن الله عزاءك في أحد الجسدين! توفي فربط من أسفله بحبل حتى ذبل ثم قطع والجسد الآخر تراه في السوق ذاهباً وجائياً.
ومنها أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان اليماني افتخار اليمن كان من أعلم الناس بالحلال والحرام له نسل بقزوين مشايخ وعلماء إلى الآن وهو جدي من قبل الأم ذكر يوسف بن اسباط أن طاووساً مر بنهر سلطاني فهمت بغلته أن تشرب منه فمنعها.
وذكر بشر بن عبد الله أن طاووساً مر بالسوق فرأى رؤوساً مشوية بارزة الأسنان فلم ينعس تلك الليلة وقال إن الله تعالى يقول: تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون.
وقال منعم بن ادريس: صلى طاووس اليماني صلاة الفجر بوضوء العتمة أربعين سنة.
توفي سنة ست ومائة بمكة قبل يوم التروية عن بضع وتسعين سنة.
وكان الناس يقولون: رحم الله أبا عبد الرحمن حج أربعين حجة وصلى عليه هشام بن عبد الملك وهو خليفة حج تلك السنة.
ومنها أويس بن عامر القرني.
روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لله تعالى من خلقه الأصفياء الأحفياء الشعثة شعورهم الغبرة وجوههم الخمصة بطونهم الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذنوا وإن خطبوا المنعمات لم ينكحوا وإن غابوا لم يفتقدوا وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم وإن مرضوا لم يعادوا وإن ماتوا لم يشهدوا.
قالوا: يا رسول الله كيف لنا برجل منهم قال: ذاك أويس القرني! قالوا: وما أويس القرني قال: أشهل ذو صهوبة بعيد ما بين الكتفين معتدل القامة آدم شديد الأدمة ضارب بذقنه إلى صدره رام ببصره إلى موضع سجوده واضع بيمينه على شماله يتلو القرآن يبكي على نفسه ذو طمرين لا يؤبه له متزر بإزار صوف ورداء صوف مجهول في أهل الأرض معروف في أهل السماء لو أقسم على الله لأبر قسمه! الا وان تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء الا وانه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد: ادخلوا الجنة وقيل لأويس: قف واشفع! يشفعه الله عز وجل في مثل عدد ربيعة ومضر.
يا عمرو ويا علي إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه أن يستغفر لكما.
فكانا يطلبانه عشرين سنة فلما كان سنة هلك فيها عمر قام على أبي قبيس ونادى بأعلى صوته: يا أهل الحجيج من اليمن أفيكم أويس فقام شيخ كبير وقال: إنا لا ندري ما أويس لكن لي ابن أخ يقال له أويس هو أخمل ذكراً وأقل مالاً وأهون أمراً من أن نرفعه إليك! وإنه ليرعى إبلنا حقين بين أظهرنا! فقال له عمر: إن ابن أخيك هذا عزمنا! قال: نعم.
قال: فأين يصاب قال: بأراك عرفات.
فركب عمر وعلي سراعاً إلى عرفات فإذا هو قائم يصلي إلى شجرة والإبل حوله ترعى فأقبلا إليه وقالا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته! فرد عليهما جواب السلام.
قالا له: من الرجل قال: راعي إبل وأجير قوم! قالا: ما اسمك قال: عبد الله.
قالا: اسمك الذي سمتك أمك به قال: يا هذان ما تريدان إلي قالا: وصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أويساً القرني وقد عرفنا الصهوبة والشهولة أخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء أوضحها لنا.
فأوضح منكبه فإذا اللمعة فابتدرا يقبلانه وقالا: نشهد أنك أويس القرني! فاستغفر لنا يغفر الله لك! فقال: ما أخص باستغفاري نفسي ولا أحداً من ولد آدم ولكنه من في البحر والبر من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.
يا هذان قد شهر الله لكما حالي وعرفكما أمري فمن أنتما قال علي: أما هذا فعمر أمير المؤمنين وأما أنا فعلي بن أبي طالب! فاستوى أويس وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته وعليك يا علي بن أبي طالب فجزاكما الله عن هذه الأمة خيراً! قالا: وأنت جزاك الله عن نفسك خيراً! فقال له عمر: مكانك يرحمك الله حتى أدخل مكة وآتيك بنفقة من عطائي وفضل كسوة من ثيابي هذا المكان ميعاد بيني وبينك.
فقال: يا أمير المؤمنين لا ميعاد بيني وبينك لا أراك بعد اليوم تعرفني ما أصنع بالنفقة وما أصنع بالكسوة أما ترى علي إزاراً ورداء من صوف متى تراني أبليهما أما ترى أني أخذت رعائي أربعة دراهم متى تراني آكلها يا أمير المؤمنين إن بيتي يدي ويديك عقبة كؤوداً لا يجاوزها إلا ضامر مخف مهزول! فلما سمع عمر ذلك ضرب بدرته الأرض ثم قال بأعلى صوته: يا ليت عمر لم تلده أمه! يا ليتها كانت عاقراً لم تعالج حملها! قال: يا أمير المؤمنين خذ أنت ها هنا حتى آخذ أنا ها هنا فولى عمر نحو ناحية مكة وساق أويس إبله فأتى القوم بإبلهم وخلى الرعاية وأقبل على العبادة.
وحكي أن أويساً إذا خرج يرميه الصبيان بالحجارة وهو يقول: إن كان لا بد فبالصغار حتى لا تدموا ساقي فتمنعوني من الصلاة.
وحدث عبد الرحمن ابن أبي ليلى أنه نادى يوم صفين رجل من أهل الشام: أفيكم أويس القرني قلنا: نعم! ما تريد منه قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أويس القرني خير التابعين بإحسان.
وعطف دابته ودخل مع أصحاب علي فنادى مناد في القوم: أويس! فوجد في قتلى علي كرم الله وجهه.
ومنها أبو عبد الله وهب بن منبه وكان الغالب عليه قصص الأنبياء وأخبار القرون الماضية والوعظ قال: قرأت في بعض الكتب أن منادياً ينادي من السماء الرابعة كل صباح: أبناء الأربعين زرع قد دنا حصاده! أبناء الخمسين ماذا قدمتم وماذا أخرتم أبناء الستين لا عذر لكم! ليت الخلق لم يخلقوا وإذا خلقوا علموا لماذا خلقوا.
قد أتتكم الساعة فخذوا حذركم قال منعم بن ادريس: إن وهب بن منبه صلى أربعين سنة صلاة الفجر بوضوء العشاء.
مات سنة أربع عشرة ومائة.
هذا آخر ما عرفناه من الإقليم الأول.
الاقليم الثاني
هو حيث يكون ظل الاستواء في أوله نصف النهار إذا استوى الليل والنهار قدمين وثلاثة أخماس قدم وآخره حيث يكون ظل الاستواء فيه نصف النهار ثلاثة أقدام ونصف وعشر سدس قدم يبتديء من المشرق فيمر على بلاد الصين وبلاد الهند والسند ويمر بملتقى البحر الأخضر ويقطع جزيرة العرب في أرض نجد وتهامة والبحرين ثم يقطع بحر القلزم ونيل مصر إلى أرض المغرب.
ويكون أطول نهار هؤلاء في أول الإقليم ثلاث عشرة ساعة وربع الساعة وآخره ثلاث عشرة ساعة ونصف وربع وأوسطه ثلاث عشرة ساعة ونصف وطوله من المشرق إلى المغرب تسعة آلاف وثلاثمائة واثنا عشر ميلاً واثنتان وأربعون دقيقة وعرضه أربعمائة ميل وميلان واحدى وخمسون دقيقة ومساحتها مكسراً ثلاثة آلاف الف وستمائة ألف ميل وتسعون ألف ميل وثلاثمائة وأربعون ميلاً وأربع وخمسون دقيقة وأما المدن الواقعة فيها فسنذكرها مرتبة على حروف المعجم ما انتهى خبرها إلينا والله المستعان.
الأبلق
حصن السموأل بن عاديا اليهودي الذي يضرب به مثل الوفاء والحصن يسمى الابلق الفرد لأنه كان في بنائه بياض وحمرة وهو بين الحجاز والشام على تل من تراب والآن بقي على التل آثار الأبنية القديمة بناه أبو السموأل عاديا اليهودي.
يقال: أوفى من السموأل.
وكان من قصته أن امرأ القيس بن حجر الكندي لما قتل أبوه مر إلى قيصر يستنجده على قتلة أبيه وكان اجتيازه على الأبلق الفرد فرآها قلعة حصينة ذاهبة نحو السماء وكان معه أدراع تركها عند السموأل وديعة وذهب.
فبلغ هذا الخبر الحرث بن ظالم الغساني فسار نحو الأبلق لأخذ الدروع فامتنع السموأل من تسليمها إليه فظفر بابن السموأل وكان خارج الحصن يتصيد فجاء به إلى أسفل الحصن وقال: إن دفعت الدروع إلي وإلا قتلت ابنك! فقال السموأل: لست أخفر ذمتي فاصنع ما شئت! فذبحه والسموأل ينظر إليه وانصرف الملك على يأس! فضرب العرب المثل في الوفاء.
وقال السموأل:
بنى لي عاديا حصناً حصيناً ** وماءً كلّما شئت استقيت
رفيعاً تزلق العقبان عنه ** إذا ما نابني ضيمٌ أبيت
وأوصى عاديا قدماً بأن لا ** تهدّم يا سموأل ما بنيت
أجأ وسلمى
جبلان بأرض الحجاز وبها مسكن طيء وقراهم.
موضع نزه كثير المياه والشجر.
قيل: أجأ اسم رجل وسلمى اسم امرأة كانا يألفان عند امرأة اسمها معروجا فعرف زوج سلمى بحالهما فهربا منه فذهب خلفهما وقتل سلمى على جبل سلمى وأجأ على جبل أجأ ومعروجا على معروجا فسميت المواضع بهم وقال الكلبي: كان على أجأ أنف أحمر كأنه تمثال إنسان يسمونه فلساً كان طيء يعبدونه إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء الإسلام بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في مائة وخمسين من الأنصار فكسروا فلساً وهدموا بيته وأسروا بنت حاتم.
ينسب إليها أبو سليمان داود بن نصير الطائي الزاهد العابد قيل إنه سمع امرأة عند قبر تقول: مقيمٌ إلى أن يبعث الله خلقه لقاؤك لا يرجى وأنت قريب تزيد بلىً في كلّ يومٍ وليلةٍ وتبقى كما تبلى وأنت حبيب كان ذلك سبب توبته.
وقيل: إنه ورث من أبيه أربعمائة درهم أنفها ثلاثين سنة وصام أربعين سنة ما علم أهله أنه صائم.
وكان حرازاً يأخذ أول النهار غداءه معه إلى الدكان ويتصدق به في الطريق ويرجع آخر النهار يتعشى في بيته ولا يعلم أهله أنه كان صائماً.
وكان له داية قالت: يا أبا سليمان أما تشتهي الخبز قال: يا داية بين أكل الخبز وشرب القنيت أقرأ خمسين آية! وقال حفص بن عمر الجعفي: إن داود الطائي مر بآية يذكر فيها النار فكررها في ليلة مراراً فأصبح مريضاً فوجدوه مات ورأسه على لبنة سنة خمس وستين ومائة في خلافة المهدي.
وينسب إليها أبو تمام حبيب بن أوس الطائي الشاعر المفلق فاق على كل من كان بعده بفصاحة اللفظ وجزالة المعنى قيل إنه أنشد قصيدته في مدح المعتصم: ما في وقوفك ساعةً من باس تقضي ذمام الأربع الدّرّاس فلما انتهى إلى المديح قال: إقدام عمروٍ في سماحة حاتمٍ في حلم أحنف في ذكاء إياس قال بعض الحاضرين: مه! من هؤلاء حتى تشبه الخليفة بهم فأطرق أبو تمام هنيةً ثم رفع رأسه وقال: لا تنكروا ضربي له من دونه مثلاً شروداً في النّدى والباس فالله قد ضرب الأقلّ لنوره مثلاً من المشكاة والنّبراس وحكى البحتري أنه دخل على بعض الولاة ومدحه بقصيدة قرأها عليه قال: فلما تممتها قال رجل من الحاضرين: يا هذا أما تستحي تأتي بشعري وتنشده بحضوري قلت: تعني أن هذه القصيدة لك قال: خذها! وجعل يعيدها إلى آخرها.
قال: فبقيت لا أرى بعيني شيئاً واسود وجهي فقمت حتى أخرج فلما شاهد مني تلك الحالة قام وعانقني وقال: الشعر لك وأنت أمير الشعراء بعدي! فسألت عنه قالوا: هو أبو تمام الطائي.
وينسب إليها حاتم الطائي وكان جواداً شاعراً شجاعاً إذا قاتل غلب وإذا غنم نهب وإذا سئل وهب وكان أقسم بالله أن لا يقتل واحد أمه وكان يقول لعبده يسار إذا اشتد كلب الشتاء: أوقد فإنّ اللّيل ليلٌ قرٌّ والرّيح يا واقد ريحٌ صرّ عسى يرى نارك من يمرّ إن جاءنا ضيفٌ فأنت حرّ وقالوا: لم يكن يمسك إلا فرسه وسلاحه.
وحكي أنه اجتاز في سفره على عترة فرأى فيهم أسيراً فاستغاث بحاتم فاشتراه من العتريين وقام مقامه في القد حتى أدى فكاكه.
ومن العجب ما ذكر أن قوماً نزلوا عند قبر حاتم وباتوا هناك وفيهم رجل يقال له أبو الخيبري يقول طول ليله: يا حفر اقر أضيافك! فقيل له: مهلاً ما تكلم من رمة بالية! فقال: إن طيئاً يزعم أنه لم ينزل به أحد إلا قراه! فلما نام رأى في نومه كأن حاتماً جاء ونحر راحلته فلما أصبح جعل يصيح: وا راحلتاه! فقال أصحابه: ما شأنها قال: عقرها حاتم بسيفه والله وأنا أنظر إليها حتى عقرها! فقالوا: لقد قراك! فظلوا يأكلونها واردفوه فاستقبلهم في اليوم الثاني راكب قارن جملاً فإذا هو عدي بن حاتم فقال: أيكم أبو الخيبري قالوا: هذا.
فقال: إن أبي جاني في النوم وذكر شتمك إياه وأنه قد قرى براحلتك أصحابك وقال في ذلك أبياتاً وهي هذه: أبا الخيبريّ وأنت امرؤ حسود العشيرة شامها لماذا عمدت إلى رمّةٍ بدوّيّةٍ صخبٍ هامها تبغي أذاها وإعسارها وحولك غوثٌ وأنعامها وإنّا لنطعم أضيافنا من الكوم بالسّيف نعتامها وأمرني ببعير لك فدونكه! فأخذه وركبه وذهب مع أصحابه.
وقال ابن دارة لما مدح عدياً: أبوك أبو سفّانة الخير لم يزل لدن شبّ حتّى مات في الخير راغبا قرى قبره الأضياف إذ نزلوا به ولم يقر قبرٌ قبله قطّ راكبا ارام مدينة بأرض هند فيها هيكل فيه صنم مضطجم يسمع منه في بعض الأوقات صفير فيرى قائماً فإذا فعل ذلك كان دليلاً على الرخص والخصب في تلك السنة وإن لم يفعل يدل على الجدب والناس يمتارون من المواضع البعيدة ذكره صاحب تحفة الغرائب.
البحرين
ناحية بين البصرة وعمان على ساحل البحر بها مغاص الدر ودره أحسن الأنواع وينتقل إليها قفل الصدف في كل سنة من مجمع البحرين يحمل الصدف بالدر بمجمع البحرين ويأتي إلى البحرين ويستوي خلقه ها هنا وإذا وصل قفل الصدف يهنيء الناس بعضهم بعضاً وليس لأحد من الملوك مثل هذه الغلة ومن سكن بالبحرين يعظم طحاله وينتفخ بطنه ولهذا قال الشاعر: ومن سكن البحرين يعظم طحاله ويعظم فيها بطنه وهو جائع وبها نوع من البسر من شرب من نبيذه وعليه ثوب أبيض صبغه عرقه حتى كأنه ثوب أحمر.ينسب إليها القرامطة أبو سعيد وأبو طاهر خالفوا ملة الإسلام وقتلوا الحجاج ونهبوا سلب الكعبة وخروجهم سنة خمس وسبعين ومائتين في عهد المعتمد بن المتوكل وقلعوا الحجر الأسود وأخذوه وبعث إليهم الخليفة العباس بن عمرو الغنوي في عسكر كثيف قتلوا الجميع وأسروا العباس ثم أطلقوه وحده حتى يخبر الناس بما جرى عليهم والحجر الأسود بقي عندهم سنين حتى اشتراه المطيع بالله بأربعة وعشرين ألف دينار ورده إلى مكانه.
حكي أن بعض القرامطة قال لبعض علما الإسلام: عجبت من عقولكم! بذلتم مالاً كثيراً في هذا الحجر فما يؤمنكم انا ما أمسكناه ورددنا إليكم غيره فقال العالم: لنا في ذلك علامة وهي أنه يطفو على الماء ولا يرسب! فألقمه الحجر.
بدر
موضع بين مكة والمدينة بها الواقعة المباركة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين وحضر فيها الملائكة والجن والانس والمسلمون كلهم.
وبها بئر ألقي فيها قتلى المشركين فدنا منها رسول الله عليه السلام وقال: يا عتبة يا شيبة هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً فقيل: يا رسول الله هل يسمعون كلامنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تبت
بلاد متاخمة للصين من إحدى جهاته وللهند من أخرى مقدار مسافتها مسيرة شهر بها مدن وعمارات كثيرة ولها خواص عجيبة في هوائها ومائها وأرضها من سهلها وجبلها ولا تحصى عجائب أنهارها وثمارها وآبارها.
وهي بلاد تقوى بها طبيعة الدم فلهذا الغالب على أهلها الفرح والسرور فلا يزال الإنسان بها ضاحكاً فرحاً لا يعرض له الهم والحزن ولا يكاد يرى بها شيخ حزين أو عجوز كئيبة بل الطرب في الشيوخ والكهول والشبان عام حتى يرى ذلك في وجه بهائمهم أيضاً وفي أهلها رقة طبع وبشاشة وأريحية تبعث على كثرة استعمال الملاهي وأنواع الرقص حتى ان أحدهم لو مات لا يدخل أهله كثير حزن.
وبها معدن الكبريت الأحمر الذي في الدنيا قليل من ظفر به فقد ظفر بمراده.
وبها جبل السم وهو جبل من مر به يضيق نفسه فإما يموت أو يثقل لسانه.
وبها ظباء المسك وانها في صورة ظباء بلادنا إلا أن لها نابين كنابات الخنازير وسرتها مسك ولكن مسك ظباء تبت أحسن أنواع المسك لأن ظباءها ترعى النسبل وأهل تبت لا يتعرضون للمسك حتى ترميه الغزال وذلك أنه يجتمع الدم في سرتها مثل الخراج فإذا تم ذلك الخراج تأخذ الغزال شبه الحكة فإذا رأت حجراً حاداً تحك به سرتها والدم ينفجر منها والغزال تجد بذلك لذة فتحك حتى تنصب المادة كلها من السرة وتقع على ذلك الحجر وأهل تبت يتبعون مراعيها فإذا وجدوا تلك المادة المنفجرة على الحجر أخذوها وأودعوها النوافج فإنها أحسن أنواع المسك لبلوغ نضجه وإن ذلك يكون عند ملوكهم يتهادون به قل ما يقع منه بيد التجار.
وبها فارة المسك وهي دويبة تصاد وتشد سربها شداً وثيقاً فيجتمع فيها الدم ثم يذبحونها ويقورون سرتها ويدفنونها في وسط الشعير أياماً فيجمد الدم فيها فيصير مسكاً ذكياً بعدما كان نتن الرائحة وهي أحسن أنواع المسك وأعزها وأيضاً في بيوتهم جرذان سود لها رائحة المسك ولا يحصل من سرتها شيء ينتفع به.
وأهل تبت ترك من نسل يافث بن نوح عليه السلام وبها قوم من حمير من نسل من حملهم إليها في زمن التبابعة.
تكناباذ
ناحية من أعمال قندهار في جبالها حجر إذا ألقي على النار ونظر إليه شيء من الحيوان ينتفخ بدنه حتى يصير ضعف ما كان.حكى لي الأمير حسام الدين أبو المؤيد نعمان أن تلك الخاصية في المرة الأولى كراكب البحر فإنه في المرة الأولى يغشاه الدوار والغشيان وبعد ذلك لا يكون شيء من ذلك.
وقال الأمير أبو المؤيد: حضرت عند بعض الأمراء بتلك الديار فأحضر عندنا مجمرة عليها عود فرأيت وجه من كان قاعداً عندي انتفخ وشخصت عيناه وتغير عليه الحال وتهوع فأمر أم المثوى بإزالة المجمرة متبسماً فرجع صاحبي إلى حاله! قلت له: ما الذي دهمك فإني رأيت منك على صفة كذا فقال لي: وأنا أيضاً رأيت منك مثل ما رأيت مني! فأخبرتنا أم المثوى أن هذا من خاصية هذا الحجر وأنا أردت أن أريكم شيئاً عجيباً.
جاجلى
مدينة بأرض الهند حصينة جداً على رأس جبل مشرف نصفها على البحر ونصفها على البر.
قالوا: ما امتنع على الإسكندر شيء من بلاد الهند إلا هذه المدينة.
قال مسعر بن المهلهل: أهل هذه المدينة كلها من الكواكب يعظمون قلب الأسد ولهم بيت رصد وحساب ومعرفة بعلم النجوم.
وعمل الوهم في طباعهم إذا أرادوا حدوث حادث صرفوا همتهم إليه وما زالوا به حتى حدث.حكي أن بعض ملوكهم بعث إلى بعض الأكاسرة هدايا فيها صندوقان مقفلان فلما فتحوهما كان في كل صندوق رجل قيل: من أنتما قالا: نحن إذا أردنا شيئاً صرفنا همتنا إليه فيكون.
فاستنكروا ذلك فقالا: إذا كان للملك عدو لا يندفع بالسيف فنحن نصرف همتنا إليه فيموت! فقالوا لهما: اصرفا همتكما إلى موتكما.
قالا: اغلقوا علينا الباب فأغلقوا ثم عادوا إليهما فوجدوهما ميتين فندموا على ذلك وعلموا أن قولهما صحيح.
وبهذه المدينة شجرة الدارصيني وهي شجر حر لا مالك له.
وأهل هذه المدينة لا يذبحون الحيوان ولا يأكلون السمك ومأكولهم البر والبيض.
جزيرة برطاييل جزيرة قريبة من جزائر الزانج قال ابن الفقيه: سكانها قوم وجوههم كالمجان المطرقة وشعورهم كأذناب البراذين وبها الكركدن وبها جبال يسمع منها بالليل صوت الطبل والدف والصياح المزعجة والبحريون يقولون: إن الدجال فيها ومنها يخرج.
وبها القرنفل ومنها يجلب وذلك أن التجار ينزلون عليها ويضعون بضائعهم وأمتعتهم على الساحل ويعودون إلى مراكبهم ويلبثون فيها فإذا أصبحوا ذهبوا إلى أمتعتهم فيجدون إلى جانب كل شيء من البضاعة شيئاً من القرنفل فإن رضيه أخذه وترك البضاعة وإن أخذوا البضاعة والقرنفل لم تقدر مراكبهم على السير حتى يردوا أحدهما إلى مكانه وإن طلب أحدهم الزيادة فترك البضاعة فترك البضاعة والقرنفل فيزاد له فيه.
وحكى بعض التجار أنه صعد هذه الجزيرة فرأى فيها قوماً مرداً وجوههم كوجوه الأتراك وآذانهم مخرمة ولهم شعورهم على زي النسا فغابوا عن بصره ثم إن التجار بعد ذلك أقاموا يترددون إليها ويتركون البضائع على الساحل فلم يخرج إليهم شيء من القرنفل فعلموا أن ذلك بسبب نظرهم إليهم ثم عادوا بعد سنين إلى ما كانوا عليه.
ولباس هذا القوم ورق شجر يقال له اللوف يأكلون ثمرتها ويلبسون ورقها.
ويأكلون حيواناً يشبه السرطان وهذا الحيوان إذا أخرج إلى البر صار حجراً صلداً وهو مشهور يدخل في الاكحال ويأكلون السمك والموز والنارجيل والقرنفل وهذا القرنفل من أكله رطباً لا يهرم ولا يشيب شعره.
جزيرة
جابة جزيرة في بحر الهند فيها قوم شقر وجوههم على صدورهم.
وبها جبل عليه نار عظيمة بالليل ودخان عظيم بالنهار ولا يقدر أحد على الدنو منه وبها العود والنارجيل والموز وقصب السكر.
جزيرة سقطرى
جزيرة عظيمة فيها مدن وقرى توازي عدن يجلب منها الصبر ودم الأخوين أما الصبر فصمغ شجرة لا توجد إلا في هذه الجزيرة وكان أرسطاطاليس كاتب الإسكندر يوصيه في أمر هذه الجزيرة لأجل هذا الصبر الذي فيه منافع كثيرة سيما في الايارجات فأرسل الإسكندر جمعاً من اليونانيتين إلى هذه الجزيرة فغلبوا من كان فيها من الهند وسكنوها.
فلما مات الإسكندر وظهر المسيح عليه السلام تنصروا وبقوا على التنصر إلى هذا الوقت وهم نسل الحكماء اليونانيين وليس في الدنيا والله أعلم قوم من نسل اليونانيتين يحفظون أنسابهم غير أولئك ولا يداخلون فيها غيرهم.
وطول هذه الجزيرة نحو ثمانين فرسخاً وفيها عشرة آلاف مقاتل نصارى.
جزيرة السلامط
جزيرة في بحر الهند يجلب منها الصندل والسنبل والكافور.
وبها مدن وقرى وزروع وثمار وفي بحرها سمكة إذا أدركت ثمار أشجار هذه الجزيرة تصعد السمكة أشجارها وتمص ثمارها مصاً ثم تسقط كالسكران فيأتي الناس يأخذونها.
وحكى صاحب تحفة الغرائب: أن بهذه الجزيرة عيناً فوارة يفور الماء منها وينزل في ثقبة بقربها فما يبقى من الرشاشات على أطرافها ينعقد حجراً صلداً فما كان من الرشاشات في اليوم يصير حجراً أبيض وما كان في الليل يصير حجراً أسود.
جزيرة سيلان
جزيرة عظيمة بين الصين والهند.
دورتها ثمانمائة فرسخ وسرنديب داخل فيها وبها قرى ومدن كثيرة وعدة ملوك لا يدين بعضهم لبعض والبحر عندها يسمى شلاهط ويجلب منها الأشياء العجيبة.
وبها الصندل والسنبل والدارصيني والقرنفل والبقم وسائر العقاقير وقد يوجد من العقاقير ما لا يوجد في غيرها وقيل: بها معادن الجواهر وانها جزيرة كثيرة الخير.
جزيرة الشجاع
جزيرة عامرة واسعة بها قرى ومدن وجبال وأشجار ولبلدانها أسوار عالية ظهر فيها شجاع عظيم يتلف مواشيهم وكان الناس منه في شدة شديدة فجعلوا له كل يوم ثورين وظيفة ينصبونهما قريباً من موضعه وهو يقبل كالسحاب الأسود وعيناه تقدان كالبرق الخاطف والنار تخرج من فيه فيبلع الثورين ويرجع إلى مكانه وإن لم يفعلوا ذلك قصد بلادهم وأتلف من الناس والمواشي والمال ما شاء الله فشكا أهل هذه الجزيرة إلى الإسكندر فأمر بإحضار ثورين وسلخهما وحشا جلدهما زفتاً وكبريتاً وكلساً وزرنيخاً وكلاليب حديد وجعلهما مكان الثورين على العادة فجاء الشجاع وابتلعهما واضطرم الكلس في جوفه وتعلقت الكلاليب بأحشائه فرأوه ميتاً فاتحاً فاه ففرح الناس بموته.
جزيرة القصر
في بحر الهند ذكروا أن فيها قصراً أبيض يتراءى للمراكب فإذا رأوا ذلك تباشروا بالسلامة والربح.
قيل: إنه قصر شاهق لا يدرى ما في داخله وقيل: فيها أموات وعظام كثيرة وقيل: إن بعض ملوك العجم سار إليها فدخل القصر بأتباعه فوقع عليهم النوم وخدرت أجسامهم فبادر بعضهم إلى المراكب وهلك الباقون.
وحكي أن ذا القرنين رأى في بعض الجزائر أمة رؤوسهم رؤوس الكلاب وأنيابهم خارجة من فيهم.
خرجوا إلى مراكب ذي القرنين وحاربوها فرأى نوراً ساطعاً فإذا هو قصر مبني من البلور الصافي وهؤلاء يخرجون منه فأراد النزول عليه فمنعه بهرام الفيلسوف الهندي وعرفه ان من دخل هذا القصر يقع عليه النوم والغشي ولا يستطيع الخروج فيظفر به هؤلاء والبحر لا تحصى عجائبه.
الحجاز
حاجز بين اليمن والشام وهو مسيرة شهر قاعدتها مكة حرسها الله تعالى لا يستوطنها مشرك ولا ذمي كانت تقام للعرب بها أسواق في الجاهلية كل سنة فاجتمع بها قبائلهم يتفاخرون ويذكرون مناقب آبائهم وما كان لهم من الأيام ويتناشدون أشعارهم التي أحدثوا.
وكانت العرب إذا أرادت الحج أقامت بسوق عكاظ شهر شوال ثم تنتقل إلى سوق مجنة فتقيم فيه عشرين يوماً من ذي القعدة ثم تنتقل إلى سوق ذي المجار فتقيم فيه إلى الحج والعرب اجتمعوا في هذه المواسم فإذا رجعوا إلى قومهم ذكروا لقومهم ما رأوا وما سمعوا.
عن ابن عباس رضي الله عنه ان وفد اياد قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: أيكم يعرف قس بن ساعدة قالوا: كلنا نعرفه.
قال: ما فعل قالوا: هلك! فقال صلى الله عليه وسلم: ما أنساه بعكاظ في الشهر الحرام على حمل أورق وهو يخطب الناس ويقول: أيها الناس اسمعوا وعوا من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت إن في السماء لخبراً: سحائب تمور ونجوم تغور في فلك يدور.
ويقسم قس قسماً ان لله ديناً هو أرضى من دينكم هذا! ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون ارضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا ثم قال: أيكم يروي شعره فقال أبو بكر: أنا أحفظه يا رسول الله فقال: هات فأنشد: في الذّاهبين الأوّلين من القرون لنا بصائر لمّا رأيت موارداً للموت ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها تمضي الأكابر والأصاغر أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر لا يرجع الماضي ولا يبقى من الباقين غابر قال ابن عباس رضي الله عنه: ذكر قس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رحم الله قساً إني لأرجو أن يأتي أمة واحدة.
حكى رجل من ثقيف انه رأى بسوق عكاظ رجلاً قصير القامة على بعير في حجم شاة وهو يقول: أيها الناس هل فيكم من يسوق لنا تسعاً وتسعين ناقة ينطلق بها إلى أرض وبار فيؤديها إلى حماله صبار قال: فاجتمع الناس عليه يتعجبون منه ومن كلامه وبعيره.
فلما رأى ذلك عمد إلى بعيره وارتفع في الهواء ونحن ننظر إليه إلى أن غاب عن أعيننا.
ويكثر لأهل الحجاز الجذام لفرط الحرارة يحرق أخلاطهم فيغلب على مزاجهم السوداء سوى أهل مكة فإن الله كفاهم ذلك.
وبها أشجار عجيبة كالدوم وهو شجر المقل قيل: إنها شجر النارجيل في غير الحجاز والعنم ولها ثمرة طويلة حمراء تشبه أصابع العذارى والاسحل شجر المساويك والكنهبل والبشام قالوا: هو شجر البلسان بمصر والرتم والضال والسمر والسلع.
وبها جبل الحديد وهو في ديار بجيلة ويسمى جبل الحديد إما لصلابة حجره أو لأنه معدن الحديد.
أسرت بجيلة تأبط شراً فاحتال عليهم حيلة عجيبة وذاك أن تأبط شراً وعمرو بن براق والشنفرى خرجوا يرون بجيلة فبدرت بهم بجيلة فابتدر ستة عشر غلاماً من سرعانهم وقعدوا على ما لهم وأنذر تأبط شراً بخروج القوم لطلبة فشاور صاحبيه فرجعوا إلى قلة هذا الجبل وإنه شاهق مشمخر وأقاموا حتى يضجر القوم وينصرفوا فلما كان اليوم الثالث قالا لتأبط شراً: رد بنا وإلا هلكنا عطشاً! فقال لهما: البثا هذا اليوم فما للقوم بعد اليوم مقام.
فأبيا وقالا له: هلكنا فرد بنا وفينا بقية.
قال: هبطا.
فلما قربوا من الماء أصغى تأبط شراً وقال لصاحبيه: إني لأونس وحبيب قلوب الرصد على الماء! قالا: وجيب قلبك يا تأبط! قال: كلا ما وجب وما كان وجاباً ولكن رد يا عمرو واستنقض الموضع وعد إلينا.
فورد وصدر ولم ير أحداً فقال: ما على الماء أحد.
فقال تأبط شراً.
بلى ولكنك غير مطلوب.
ثم قال: رد يا شنفرى واستنقض الموضع وعد.
فورد الشنفرى وشرب وصدر وقال: ما رأيت على الماء أحداً.
قال تأبط شراً: بلى ما يريد القوم غيري! فسر يا شنفرى حتى تكون من خلفهم بحيث لا يرونك وأنت تراهم فإني سأرد فأؤخذ وأكون في أيديهم فابدلهم يا عمرو حتى يطمعوا فيك فإذا اشتدوا عليك ليأخذوك وبعدوا عني فابدر يا شنفرى حل عني وموعدنا قلة جبل الحديد حيث كنا وورد تأبط شراً وشرب الماء فوثب عليه القوم وأخذوه وشدوا وثاقه فقال تأبط شراً: يا بجيلة إنكم لكرام فهل لكم أن تمنوا علي بالفداء وعمرو بن براق فتى فهم وجميلها على أن تأسرونا أسر الفداء وتؤمنونا من القتل ونحن نحالفكم ونكون معكم على أعدائكم وينشر هذا من كرمكم بين أحياء العرب قالوا: أين عمرو قال: ها هو معي قد أخره الظمأ فلم يلبث حتى أشرف عمرو في الليل فصاح به تأبط شراً: يا عمرو إنك لمجهود فهل لك أن تمكن من نفسك قوماً كراماً يمنون عليك بالفداء قال عمرو: أما دون أن أجرب نفسي فلا.
ثم عدا فلا ينبعث فقال تأبط شراً: يا بجيلة دونكم الرجل فإنه لا بصر له على السعي وله ثلاث لم يطعم شيئاً! فعدوا في أثره فأطمعهم عمرو عن نفسه حتى أبعدهم وخرج الشنفرى وحل تأبط شراً وخرجا يعدوان ويصيحان: يعاط يعاط! وهي شعار تأبط شراً فسمع عمرو أنه نجا واستمر عدواً وفات أبصارهم واجتمعوا على قلة الجبل ونجوا ثم عادوا إلى قومهم فقال تأبط شراً في تلك العدوة: يا طول ليلك من همٍّ وإبراق ومرّ طيف على الأهوال طرّاق تسري على الأين والحبّاب مختفياً أحبب بذلك من سارٍ على ساق لتقرعنّ عليّ السّنّ من ندمٍ إذا تذكّرن مني بعض أخلاق نجوت فيها نجاتي من بجيلة إذ رفعت للقوم يوم الرّوع أرفاقي لمّا تنادوا فأغروا بي سراعهم بالعيلتين لدى عمرو بن برّاق لا شيء أسرع مني ليس ذا عذرٍ ولا جناح دوين الجوّ خفّاق أو ذي حيودٍ من الأروى بشاهقةٍ وأمّ خشفٍ لدى شثٍّ وطبّاق وقلّةٍ كشباة الرّمح باسقةٍ ضحيانةٍ في شهور الصّيف مخراق بادرت قلتّها صحبي وقد لعبوا حتى نميت إليها قبل إشراق ولا أقول إذا ما خلّةٌ صرمت: يا ويح نفسي من جهدي وإشفاقي! لكنّما عولي إن كنت ذا عولٍ على ضروبٍ بحدّ السّيف سبّاق سبّاق عاديةٍ فكّاك عانيةٍ قطّاع أوديةٍ جوّاب آفاق! وبها جبل رضوى وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية يرى من البعد أخضر وبه مياه وأشجار كثيرة زعم الكيسانية أن محمد بن الحنفية مقيم به وهو حي بين يدي أسد ونمر يحفظانه وعنده عينان نضاختان تجريان بماء وعسل ويعود بعد الغيبة يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وهو المهدي المنتظر وإنما عوقب بهذا الحبس لخروجه على عبد الملك بن مروان وقلبه على يزيد بن معاوية وكان السيد الحميري على هذا المذهب ويقول في أبيات: ألا قل للوصيّ: فدتك نفسي! أطلت بذلك الجبل المقاما ومن جبل رضوى يقطع حجر المسن ويحمل إلى البلاد.
وبها جبل السراة قال الحازمي: إنها حاجزة بين تهامة واليمن وهي عظيمة الطول والعرض والامتداد ولهذا قال الشاعر: قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح الناس أهل السروات أولها هذيل ثم بجيلة ثم الأزد أزد شنوءة.
وإنها كثيرة الأهل والعيون والأنهار والأشجار وبأسفلها أودية تنصب إلى البحر وكل هذه الجبال تنبت القرظ وفيها الأعناب وقصب السكر والاسحل وفيه معدن البرام يحمل منه إلى سائر البلاد.
وبها جبل قنا وهو جبل عظيم شامخ سكانه بنو مرة من فزارة وحظ صاحبة قنا مشهور قال الشاعر:
أصبت ببرّةٍ خيراً كثيراً ** كأخت قنا به من شعر شاعر
وهو ما ذكر أن نصيباً الشاعر اجتاز بقنا ووقف على باب يستسقي فخرجت إليه جارية بلبن أو ماء وسقته وقالت له: شبب بي! فقال لها: ما اسمك قالت: هند.
فأنشأ يقول:
أحبّ قناً من حبّ هندٍ ولم أكن ** أبالي أقرباً زاده الله أم بعدا
أروني قناً أنظر إليه فإنّني ** أحبّ قناً إنّي رأيت به هندا!
فشاع هذا الشعر وخطبت الجارية وأصابت خيراً بسبب شعر نصيب.
وبها جبل يسوم في بلاد هذيل قرب مكة لا يكاد أحد يرتقيه ولا ينبت غير النبع والشوحط تأوي إليه قرود تفسد قصب السكر في جبال السراة وأهل جبال السراة من تلك القرود في بلاء وفي الأمثال: الله أعلم بمن حطها عن رأس يسوم قيل: إن رجلاً نذر ذبح شاة فمر بيسوم فرأى فيه راعياً فاشترى منه شاةً وأنزلها من الجبل وأمر الراعي بذبحها وتفريقها عنه وولى.
فقيل له: إن الراعي يذبحها لنفسه! فقال: الله اعلم بمن حطها عن رأس يسوم.
وبها عين ضارج عين في برية مهلكة بين اليمن والحجاز في موضع لا مطمع للماء فيه.
حدث إبراهيم بن إسحاق الموصلي أن قوماً من اليمن أقبلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فضلوا الطريق ومكثوا ثلاثاً لم يجدوا ماء وأيسوا من الحياة إذ أقبل راكب على بعير له وكان بعضهم ينشد: ولما رأت أن الشّريعة همّها وأنّ البياض من فرائصها دامي تيمّمت العين التي عند ضارجٍ يفيء عليها الظّلّ عرمضها طامي فقال الراكب: من قائل هذا الشعر قالوا: امرؤ القيس.
قال: والله ما كذب! هذا ضارج وأشار إليه فحثوا على ركبهم فإذا ماء عذب وعليه العرمض والظل يفيء عليه فشربوا ريهم وحملوا ما اكتفوا فلما أتوا رسول الله قالوا: يا رسول الله أحيانا الله ببيتين من شعر امريء القيس وأنشدوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها منسي في الآخرة خامل فيها يجيء يوم القيامة ومعه لواء الشعراء إلى النار.وبها عين المشقق.
المشقق
اسم واد بالحجاز وكان به وشل يخرج منه ماء يروي الراكبين أو الثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك: من سبقنا الليلة إليه فلا يستقين منه شيئاً حتى نأتيه.
فسبقه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه فلما أتاه النبي عليه السلام لم ير فيه شيئاً فقال: أولم أنهكم أن تستقوا منه شيئاً ثم تزل فوضع يده تحت الوشل فجعل يصب في يده من الماء فنضحه به ومسحه بيده المباركة ودعا بما شاء أن يدعو ربه فانخرق من الماء ما سمع له حس كحس الصواعق فشرب الناس واستقوا حاجتهم فقال صلى الله عليه وسلم: لئن بقيتم أو بقي أحد منكم ليسمعن بهذا الوادي وهو أخضر ما بين يديه وما خلفه وكان كما قال صلى الله عليه وسلم.
الحجر ديار ثمود بوادي القرى بين المدينة والشام قال الاصطخري: هي قرية من وادي القرى على يوم بين جبال بها كانت منازل ثمود الذين قال الله تعالى فيهم: وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين.
قال: رأيتها بيوتاً مثل بيوتنا في جبال تسمى الاثالث وهي جبال إذا رآها الرائي من بعد ظنها متصلة فإذا توسطها رأى كل قطعة منها منفردة بنفسها يطوف بكل قطعة منها الطائف بها بئر ثمود التي كان شربها بين القوم وبين الناقة ولما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتى على منازل ثمود وأرى أصحابه الفج الذي كانت الناقة منه ترد الماء وأراهم ملتقى الفصيل في الجبل وقال عليه السلام لأصحابه: لا يدخلن أحدكم القرية ولا يشربن من مائها ولا يتوضأ منه وما كان من عجين فاعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئاً ولا يخرج الليلة أحد إلا مع صاحبه.
ففعل الناس ذلك إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لطلب بعير له والآخر لقضاء حاجته فالذي خرج لحاجته أصابه جنون والذي خرج لطلب البعير احتملته الريح فأخبر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألم أنهكم أن يخرج أحد إلا مع صاحبه فدعا لمن أصابه جنون فشفي وأما الذي احتملته الريح فأهدته طيء إلى رسول الله عليه السلام بعد عوده إلى المدينة.
فأصبح الناس بالحجر ولا ماء معهم فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا الله تعالى فأرسل سحابة فأمطرت حتى روي الناس.
خط
قرية باليمن يقال لها خط هجر تنسب إليها الرماح الخطية وهي أحسن أنواع خفةً وصلابةً وتثقيفاً تحمل إليها من بلاد الهند والصناع بها يثقفونها أحسن التثقيف.
خيبر حصون على ثمانية برد من المدينة لمن أراد الشام ذات مزارع ونخيل كثيرة وهي موصوفة بكثرة الحمى ولا تفارق الحمى أهلها.
وكان أهلها يهوداً يزعمون ان من أراد دخول خيبر على بابها يقف على أربعه وينهق نهيق الحمار عشر مرات لا تضره حمى خيبر ويسمى ذلك تعشيراً والمعنى فيه أن الحمى ولوع بالناس واني حمار.
وحكى الهيثم بن عدي ان عروة الصعاليك وأصحابه قصدوا خيبر يمتارون بها فلما وصلوا إلى بابها عشروا خوفاً من وباء خيبر وأبى عروة الصعاليك أن يعشر وقال: وقالوا: أجب وانهق لا يضرّك خيبرٌ وذلك من دين اليهود ولوع لعمري إن عشّرت من خشية الرّدى نهاق الحمير إنّني لجزوع فكيف وقد ذكيّت واشتدّ جانبي سليمى وعندي سامعٌ ومطيع لسانٌ وسيفٌ صارمٌ وحفيظةٌ وراءٌ كآراء الرّجال صروع وحكي ان اعرابياً قدم خيبر بعيال كثير فقال: قلت لحمّى خيبرٍ استعدّي هناك عيالي فاجهدي وجدّي وباكري بصالبٍ وورد أعانك الله على ذا الجند فحم ومات وبقي عياله.
رحا
بطان موضع بالحجاز زعم تأبط شراً انه لقي الغول هناك ليلاً وجرى بينه وبينها محاربة وفي الأخير قتلها وحمل رأسها إلى الحي وعرضها عليهم حتى عرفوا شدة جأشه وقوة جنانه وهو يقول: ألا من مبلغٌ فتيان فهمٍ بما لاقيت عند رحا بطان فإني قد لقيت الغول تهوي بسهبٍ كالصّحيفة صحصحان فقلت لها: كلانا نضو دهرٍ أخو سفرٍ فخلّي لي مكاني فشدّت شدّةً نحوي فأهوى لها كفّي بمصقولٍ يمان فأضربها بلا دهشٍ فخرّت صريعاً لليدين وللجران فلم أنفكّ متّكئاً لديها لأنظر مصبحاً ماذا أتاني إذا عينان في رأسٍ قبيحٍ كرأس الهرّ مشقوق اللّسان وساقا مخدجٍ وشواة كلبٍ وثوبٌ من عباءٍ أو شنان زغر قرية بينها وبين بيت المقدس ثلاة أيام في طرف البحيرة المنتنة وزغر اسم بنت لوط عليه السلام نزلت بهذه القرية فسميت باسمها وهي في واد وخم ردي في أشأم بقعة يسكنها أهلها بحب الوطن ويهيج بهم الوباء في بعض الأعوام فيفني جلهم.
بها عين زغر وهي العين التي ذكر أنها تغور في آخر الزمان وغورها من اشراط الساعة جاء ذكرها في حديث الجساسة قال البشاري: زغر قتالة للغرباء من أبطأ عليه ملك الموت فليرحل إليها فإنه يجده بها قاعداً بالرصد وأهلها سودان غلاظ ماؤها حميم وهواؤها جحيم إلا أنها البصرة الصغرى والمتجر المربح وهي من بقية مدائن قوم لوط وإنما نجت لأن أهلها لم يكونوا آتين بالفاحشة.
زويلة
مدينة بإفريقية غير مسورة في أول حدود السودان ولأهلها خاصية عجيبة في معرفة آثار القدم ليس لغيرهم تلك الخاصية حتى يعرفون أثر قدم الغريب والبلدي والرجل والمرأة واللص والعبد الآبق والأمة والذي يتولى احتراس المدينة يعمد إلى دابة يشد عليها حزمة من جرائد النخل بحيث ينال سعفه الأرض ثم يدور به حول المدينة فإذا أصبح ركب ودار حول المدينة فإن رأى أثراً خارجاً تبعه حتى أدركه أينما توجه.
وقد بنى عبد الله المهدي جد خلفاء مصر إلى جانب زويلة مدينة أخرى سماها المهدية بينهما غلوة سهم.
كان يسكن هو وأهله بالمهدية وأسكن العامة في زويلة وكانت دكاكينهم وأموالهم بالمهدية وبزويلة مساكنهم فكانوا يدخلون بالنهار زويلة للمعيشة ويخرجون بالليل إلى أهاليهم فقيل للمهدي: إن رعيتك في هذا في عناء! فقال: لكن أنا في راحة لأني بالليل أفرق بينهم وبين أموالهم وبالنهار أفرق بينهم وبين أهاليهم فآمن غائلتهم بالليل والنهار! السند ناحية بين الهند وكرمان وسجستان قالوا: السند والهند كانا أخوين من ولد توقير بن يقطن بن حام بن نوح عليه السلام.بها بيت الذهب قال مسعر بن مهلهل: مشيت إلى بيت الذهب المشهور بها فإذا هو من ذهب في صحراء يكون أربعة فراسخ لا يقع عليها الثلج ويثلج ما حولها وفي هذا البيت ترصد الكواكب وهو بيت تعظمه الهند والمجوس وهذه الصحراء تعرف بصحراء زردشت نبي المجوس ويقول أهل تلك الناحية: متى يخرج منه إنسان يطلب دولة لم يغلب ولا يهزم له عسكر حيث أراد.
وحكي أن الإسكندر لما فتح تلك البلاد ودخل هذا البيت أعجبه فكتب إلى أرسطاطاليس وأطنب في وصف قبة هذا البيت فأجابه أرسطو: إني رأيتك تتعجب من قبة عملها الآدميون وتدع التعجب من هذه القبة المرفوعة فوقك وما زينت به من الكواكب وأنوال الليل والنهار! وسأل عثمان بن عفان عبد الله بن عامر عن السند فقال: ماؤها وشل وتمرها دقل ولصها بطل! إن قل الجيش بها ضاعوا وإن كثروا جاعوا! فترك عثمان غزوها.
وبها نهر مهران وهو نهر عرضه كعرض دجلة أو أكثر يقبل من المشرق آخذاً إلى الجنوب متوجهاً نحو المغرب ويقع في بحر فارس أسفل السند قال الاصطخري: نهر مهران يخرج من ظهر جبل يخرج منه بعض أنهار جيحون ثم يظهر بناحية ملتان على حد سمندور ثم على المنصورة ثم يقع في البحر شرقي الديبل وهو نهر كبير عذب جداً وان فيه تماسيح كما في نيل مصر وقيل: إن تماسيح نهر السند أصغر حجماً وأقل فساداً.
وجري نهر السند كجري نهر النيل يرتفع على وجه الأرض ثم ينصب فيزرع عليه كما يزرع بأرض مصر على النيل.
سومناة
بلدة مشهورة من بلاد الهند على ساحل البحر بحيث تغلبه أمواجه.
كان من عجائبها هيكل فيه صنم اسمه سومناة وكان الصنم واقفاً في وسط هذا البيت لا بقائمة من أسفله تدعمه ولا بعلاقة من أعلاه تمسكه وكان أمر هذا الصنم عظيماً عند الهند من رآه واقفاً في الهواء تعجب مسلماً كان أو كافراً وكانت الهند يحجون إليه كل ليلة خسوف يجتمع عنده ما يزيد على مائة ألف إنسان وتزعم الهند أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إليه وهو ينشئها في من شاء كما هو مذهب أهل التناسخ وان المد والجزر عبادة البحر له.
وكانوا يحملون إليه من الهدايا كل شيء نفيس وكان له من الوقوف ما يزيد على عشرة آلاف قرية.
ولهم نهر يعظمونه بينه وبين سومناة مائتا فرسخ يحمل ماؤها إلى سومناة كل يوم ويغسل به البيت وكانت سدنته ألف رجل من البراهمة لعبادته وخدمة الوفود وخمسمائة أمة يغنين ويرقصن على باب الصنم وكل هؤلاء كانت أرزاقهم من أوقاف الصنم وأما البيت فكان مبنياً على ست وخمسين سارية من الساج المصفح بالرصاص وكانت قبة الصنم مظلمة وضوءها كان من قناديل الجوهر الفائق وعنده سلسلة ذهب وزنها مائتا من كلما مضت طائفة من الليل حركت السلسلة فتصوت الأجراس فتقوم طائفة من البراهمة للعبادة.
حكي أن السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين لما غزا بلاد الهند سعى سعياً بليغاً في فتح سومناة وتخريبها طمعاً بدخول الهند في الإسلام فوصل إليها منتصف ذي القعدة سنة ست عشرة وأربعمائة فقاتل الهنود عليها أشد القتال وكان الهند يدخلون على سومناة ويبكون ويتضرعون ثم يخرجون إلى القتال فقوتلوا حتى استوعبهم الفناء وزاد عدد القتلى على خمسين ألفاً فرأى السلطان ذلك الصنم وأعجبه أمره وأمر بنهب سلبه وأخذ خزانته فوجدوا أصناماً كثيرة من الذهب والفضة وستوراً مرصعة بالجواهر كل واحد منها بعث عظيم من عظماء الهند.
وكانت قيمة ما في بيوت الأصنام أكثر من عشرين ألف دينار.
ثم قال السلطان لأصحابه: ماذا تقولون في أمر هذا الصنم ووقوفه في الهواء بلا عماد وعلاقة فقال بعضهم: إنه علق بعلاقة وأخفيت العلاقة عن النظر فأمر السلطان شخصاً أن يذهب إليه برمح ويدور به حول الصنم وأعلاه وأسفله ففعل وما منع الرمح شيء.
وقال بعض الحاضرين: إني أظن أن القبة من حجر المغناطيس والصنم من الحديد والصانع بالغ في تدقيق صنعته وراعى تكافؤ قوة المغناطيس من الجوانب بحيث لا تزيد قوة جانب على الجانب الآخر فوقف الصنم في الوسط فوافقه قوم وخالفه آخرون.
فقال للسلطان: ائذن لي برفع حجرين من رأس القبة ليظهر ذلك فأذن له فلما رفع حجرين اعوج الصنم ومال إلى أحد الجوانب فلم يزل يرفع الأحجار والصنم ينزل حتى وقع على الأرض.
صنف
موضع بالهند أو الصين ينسب إليه العود الصنفي وهو أردأ أصناف العود ليس بينه وبين الحطب إلا فرق يسير.
صيمور
مدينة بأرض الهند قريبة بناحية السند لأهلها حظ وافر في الجمال والملاحة لكونهم متولدين من الترك والهند وهم مسلمون ونصارى ويهود ومجوس ويخرج إليها تجارات الترك وينسب إليها العود الصيموري.
بها بيت الصيمور وهو هيكل على رأس عقبة عظيمة عندهم ولها سدنة وفيها أصنام من وفي المدينة مساجد وبيع وكنائس وبيت النار وكفارها لا يذبحون الحيوان ولا يأكلون اللحم ولا السمك ولا البيض وفيهم من يأكل المتردية والنطيحة دون ما مات حتف أنفه.
أخبر بذلك كله مسعر بن مهلهل صاحب عجائب البلدان وانه كان سياحاً دار البلاد وأخبر بعجائبها.
الطائف
بليدة على طرف واد بينها وبين مكة اثنا عشر فرسخاً طيبة الهواء شمالية ربما يجمد الماء بها في الشتاء.
قال الأصمعي: دخلت الطائف وكأني أبشر وقلبي ينضح بالسرور ولم أجد لذلك سبباً إلا انفساح جوها وطيب نسيمها.
بها جبل عروان يسكنه قبائل هذيل وليس بالحجاز موضع أبرد من هذا الجبل ولهذا اعتدال هواء الطائف ويجمد الماء به وليس في جميع الحجاز موضع يجمد الماء به إلا جبل عروان.
ويشق مدينة الطائف واد يجري بينها يشقها وفيها مياه المدابغ التي يدبغ فيها الأديم والطير تصرع إذا مرت بها من نتن رائحتها.
وأديمها يحمل إلى سائر البلدان ليس في شيء من البلاد مثله.
وفي أكنافها من الكروم والنخيل والموز وسائر الفواكه ومن العنب العدي ما لا يوجد في شيء بها وج الطائف وإنها واد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أخذ صيدها واختلاء حشيشها.
بها حجر اللات تحت منارة مسجدها وهو صخرة كان في قديم الزمان يجلس عليه رجل يلت السويق للحجيج فلما مات قال عمرو بن لحي: إنه لم يمت لكن دخل في هذه الصخرة! وأمر قومه بعبادة تلك الصخرة وكان في اللات والعزى شيطانان يكلمان الناس فاتخذت ثقيف اللات طاغوتاً وبنت لها بيتاً وعظمته وطافت به وهي صخرة بيضاء مربعة فلما أسلمت ثقيف بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب ومغيرة بن شعبة فهدماه والحجر اليوم تحت منارة مسجد الطائف.
وبها كرم الرهط كرم كان لعمرو بن العاص معروشاً على ألف ألف خشبة شري كل خشبة درهم فلما حج سليمان بن عبد الملك أحب أن ينظر إليه فلما رآه قال: ما رأيت لأحد مثله لولا أن هذه الحرة في وسطه! قالوا: ليس بحرة بل مسطاح الزبيب.
وكان زبيبه جمع في وسطه ليجف فرآه من بعيد فظنه حرة.
وبها سجن عارم وهو الحبس الذي حبس فيه عبد الله بن الزبير محمد ابن الحنفية يزوره الناس ويتبركون به سيما الشيعة سيما الكيسانية قال كثير يخاطب ابن الزبير: ومن يلق هذا الشّيخ بالخيف من منى من النّاس يعلم أنّه غير ظالم سميّ النبيّ المصطفى وابن عمّه وفكّاك أغلالٍ وقاضي مغارم أبى هو لا يشري هدىً بضلالةٍ ولا يتّقي في الله لومة لائم فما نعمة الدّنيا بباقٍ لأهله ولا شدّة البلوى بضربة لازم وينسب إليها الحجاج بن يوسف الثقفي من فحول الرجال كان أول أمره معلماً لوشاقية سليمان بن نعيم وزير عبد الملك بن مروان وكان فصيحاً شاطراً قال عبد الملك لوزيره: إني إذا ترحلت يتخلف مني أقوام أريد شخصاً يمنع الناس عن التخلف.
فاختار الوزير الحجاج لذلك فرأى في بعض الأيام أن الخليفة قد رحل وتخلف عنه قوم من أصحاب الوزير فأمرهم بالرحيل فامتنعوا وشتموه في أمه وأخته فأخذ الحجاج النار وأضرمها في رحل الوزير فانتهى الخبر إلى عبد الملك فأحضر الحجاج وقال: لم أحرقت رحل الوزير فقال: لأنهم خالفوا أمرك ! فقال للحجاج: ما عليك لو فعلت ذلك بغير الحرق فقال الحجاج: وما عليك لو عوضته من ذلك ولا يخالف أحد بعد هذا أمرك! فأعجب الخليفة كلامه وما زال يعلو أمره حتى ولي اليمن واليمامة ثم استعمل على العراق سنة خمس وسبعين.
وكان أهل العراق كل من جاءهم والياً استخفوا به وضحكوا منه وإذا صعد المنبر رموه بالحصاة فبعث عبد الملك إليهم الحجاج فلما صعد المنبر متلثماً وكان قصير القامة ضحكوا منه فعرف الحجاج ذلك فأقبل عليهم وقال: أنا ابن جلا وطلاّع الثّنايا متى أضع العمامة تعرفوني إن أمير المؤمنين نثل كنانته فوجدني أصلبها عوداً فرماكم بي واني أرى رؤوساً دنا أوان حصادها وأنا الذي أحصدها.
فدخل القوم منه رعب فما زال بهم حتى أراهم الكواكب بالنهار.
ولما بنى واسط عد في حبسه ثلاثة وثلاثون ألف إنسان حبسوا بلا دم ولا تبعة ولا دين ومات في حبسه واحد وعشرون ألفاً صبراً ومن قتله بالسيف فلا يعد ولا يحصى! وقال يوماً على المنبر في خطبته: أتطلبون مني عدل عمر ولستم كرعية عمر وإنما مثلي لمثلكم كثير لبئس المولى ولبئس العشير! وكان في مرض موته يقول: يا ربّ قد زعم الأعداء واجتهدوا أيمانهم أنّني من ساكني النّار أيحلفون على عمياء ويحهم ما علمهم بعظيم العفو غفّار وحكى عمر بن عبد العزيز أنه رأى الحجاج في المنام بعد مدة من موته قال: فرأيته على شكل رماد على وجه الأرض فقلت له: أحجاج قال: نعم قلت: ما فعل الله بك قال: قتلني وينسب إلى الطائف سعيد بن السائب كان من أولياء الله وعباد الله الصالحين نادر الوقت عديم النظير وكان الغالب عليه الخوف من الله تعالى لا يزال دمعه جارياً فعاتبه رجل على كثرة بكائه فقال له: إنما ينبغي أن تعاتبني على تقصيري وتفريطي لا على بكائي! وقال له صديق له: كيف أصبحت قال: أصبحت أنتظر الموت على غير عدة! وقال سفيان الثوري: جلسنا يوماً نحدث ومعنا سعيد بن السائب وكان يبكي حتى رحمه الحاضرون فقلت له: يا سعيد لم تبكي وأنت تسمع حديث أهل الخير فقال: يا سفيان ما ينفعني إذا ذكرت أهل الخير وأنا عنهم بمعزل طيفند قلعة في بلاد الهند منيعة على قلة جبل ليس لها إلا مصعد واحد وعلى رأس الجبل مياه ومزارع وما احتاجوا إليه غزاها يمين الدولة محمود بن سبكتكين سنة أربع عشرة وأربعمائة وحاصرها زماناً وضيق على أهلها وكان عليها خمسمائة قيل فطلبوا الأمان فآمنهم وأقر صاحبها فيها على خراج فأهدى صاحب القلعة إلى السلطان هدايا كثيرة منها طائر على هيئة القمري خاصيته إذا أحضر الطعام وفيه سم دمعت عيناه وجرى منهما ماء وتحجر فإذا تحجر سحق وجعل على الجراحات الواسعة الحمها وهذا الطائر لا يوجد إلا في ذلك الموضع ولا يتفرج إلا فيه.
عدن
مدينة مشهورة على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن سميت بعدن بن سنان بن إبراهيم عليه السلام لا ماء بها ولا مرعى شربهم من عين بينها وبين عدن مسيرة يوم وكان عدن فضاء في وسط جبل على ساحل البحر والفضاء يحيط به الجبل من جميع الجوانب فقطع لها باب بالحديد في الجبل فصار طريقاً إلى البر.
وإنها مرفأ مراكب الهند وبلدة التجار ومرابح الهند فلهذا يجتمع إليها الناس ويحمل إليها متاع الهند والسند والصين والحبشة وفارس والعراق وقال الاصطخري: بها مغاص اللؤلؤ.
بها جبل النار وهو جبل أحمر اللون جداً في وسط البحر قالوا: هو الجبل الذي تخرج منه النار التي هي من اشراط الساعة وسكان عدن يزعمون أنهم من نسل هارون عليه السلام وهم المربون.
وبها البئر المعطلة التي ذكرها الله تعالى في القرآن.
ومن حديثها أن قوم صالح عليه السلام بعد وفاته تفرقوا بفلسطين فلحقت فرقة منهم بعدن وكانوا إذا حبس عنهم المطر عطشوا وحملوا الماء من أرض بعيدة فأعطاهم الله بئراً فتعجبوا بها وبنوا عليها أركاناً على عدد القبائل كان لكل قبيلة فيها دلو.
وكان لهم ملك عادل يسوسهم فلما مات حزنوا عليه فمثل لهم الشيطان صنماً على صورة ذلك الملك وكلم القوم من جوف الصنم: إني ألبسني ربي ثوب الالهية والآن لا آكل ولا أشرب وأخبركم بالغيوب فاعبدوني فإني أقربكم إلى ربكم زلفى! ثم كان الصنم يأمرهم وينهاهم فمال إلى عبادة الصنم جميعهم فبعث الله إليهم نبياً فكذبوه فقال لهم نبيهم: إن لم تتركوا عبادة الصنم يغور ماء بئركم! فقتلوه فأصبحوا لم يجدوا في البئر قطرة ماء.
فمضوا إلى الصنم فلم يكلمهم الشيطان لما عاين نزول ملائكة العذاب فأتتهم صيحة فأهلكوا فأخبر الله تعالى عنهم وعن أمثالهم: وكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد.
والقصر المشيد بحضرموت وقد مر ذكره ويقال: إن سليمان بن داود عليه السلام حبس المردة مصفدين في هذه البئر وهي محبسهم.
فاس
مدينة كبيرة مشهورة في بلاد بربر على بر المغرب بين ثنيتين عظيمتين والعمارة قد تصاعدت حتى بلغت مستواها وقد تفجرت كلها عيوناً تسيل إلى قرارة إلى نهر منبسط إلى الأرض ينساب إلى مروج خضر وعليها داخل المدينة تمائة رحىً ولها قهندز في أرفع موضع منها ويسقيها نهر يسمى المفروش.
قال أبو عبيد البكرى: فاس منقسمة قسمين وهي مدينتان مسورتان يقال لإحداهما عدوة القروبيين وللأخرى عدوة الأندلسيين وفي كل دار جدول ماء وعلى بابها رحىً وبستان وهي من أكثر بلاد المغرب ثماراً وخيراً وأكثر بلاد المغرب يهوداً منها يختلفون إلى سائر الآفاق بها تفاح حلو يعرف بالاطرابلسي حسن الطعم جداً يصلح بعدوة الأندلسيين ولا يصلح بعدوة القروبيين وسميذ عدوة الأندلسيين أطيب من سميذ عدوة القروبيين ورجال الأندلسيين أشجع من رجال القروبيين ونساؤهم أجمل ورجال القروبيين أحمد من رجال الأندلسيين قال إبراهيم الأصيلي: دخلت فاساً وبي شوقٌ إلى فاس والجبن يأخذ بالعينين والرّاس فلست أدخل فاساً ما حييت ولو أعطيت فاساً وما فيها من النّاس بلاد بأرض الهند يجلب منها الكافور القيصوري وهو أحسن أنواعه.
وذكروا أن الكافور يكثر في سنة فيها رعود وبروق ورجف وزلازل وان قل ذلك كان نقصاً في وجوده.
قبا
قرية على ميلين من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بها مسجد التقوى وهو المسجد الذي ذكره الله تعالى: لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين.
ولما قدم رسول الله عليه السلام قبا مهاجراً يريد المدينة أسس هذا المسجد ووضع بيده الكريمة أول حجر في محرابه ووضع أبو بكر رضي الله عنه حجراً ثم أخذ الناس في البناء وهو عامر إلى زماننا هذا وسئل أهله عن تطهرهم فقالوا: إنا نجمع بين الحجر والماء.
وبها مسجد الضرار ويتطوع الناس بهدمه وبها بئر غرس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيب ماءها وبصق فيها وقال: إن فيها عيناً من عيون الجنة.
قزدار ناحية بأرض الهند.
قال أبو الحسن المتكلم: كنت مجتازاً بناحية قزدار فدخلت قرية من قراه فرأيت شيخاً خياطاً في مسجد فأودعت ثيابي عنده ومضيت.
ثم رجعت من الغد فرأيت باب المسجد مفتوحاً والرزمة يشدها في المحراب فقلت: ما أجهل هذا الخياط! فجلست أفتحها وأرى شيئاً فشيئاً إذ دخل الخياط فقلت له: كيف تركت ثيابي ههنا فقال: افتقدت منها شيئاً قلت: لا.
قال: فما سؤالك فأقبلت أخاصمه وهو يضحك.
قال: أنتم نشأتم في بلاد الظلم وتعودتم أخلاق الأراذل التي توجب السرقة والخيانة وانها لا تعرف ههنا ولو بقيت ثيابك في المحراب حتى بليت ما مستها أحد! وإذا وجدنا شيئاً من ذلك في مدد متطاولة نعلم أنه كان من غريب اجتاز بنا فنركب خلفه ولا يفوتنا فندركه ونقتله.
فسألت عن غيره سيرة أهل البلد فقال كما ذكره الخياط.
وكانوا لا يغلقون الأبواب بالليل وما كان لأكثرهم أبواب بل شيء يرد الوحش والكلاب.
قشمير ناحية بأرض الهند متاخمة لقوم من الترك فاختلط نسل الهند بالترك فأهلها أكثر الناس ملاحةً وحسناً.
ويضرب بحسن نسائهم المثل لهن قامات تامة وصور مستوية وملاحة كثيرة وشعور طوال غلاظ وهذه الناحية تحتوي على نحو ستين ألفاً من المدن والضياع ولا سبيل وحواليها جبال شوامخ لا سبيل للوحش أن يتسلق إليها فضلاً عن الانس.
وفيها أودية وعرة وأشجار ورياض وأنهار.
قال مسعر بن مهلهل: شاهدتها وهي في غاية المنعة.
ولأهلها أعياد في رؤوس الاهلة وفي نزول النيرين شرقهما ولهم رصد كبير في بيت معمول من الحديد الصيني لا يعمل فيه الزمان ويعظمون الثريا ولا يذبحون الحيوان ولا يأكلون البيض.
قمار
مدينة مشهورة بأرض الهند.
قال ابن الفقيه: أهلها على خلاف سائر الهنود ولا يبيحون الزنا ويحرمون الخمر وملكها يعاقبهم على شرب الخمر فيحمي الحديدة بالنار وتوضع على بدن الشارب ولا تترك إلى أن تبرد فربما يفضي إلى التلف!&