علم النفس نبذه تاريخية في الاجواء المسيحية الاوربية
علم النفس (Psychology) (باليونانية: ψυχολογία) هو الدراسة الأكاديمية والتطبيقية للسلوك، والإدراك والآليات المستبطنة لهما. يقوم علم النفس عادة بدراسة الإنسان لكن يمكن تطبيقه على غير الإنسان أحيانا مثل الحيوانات أو الأنظمة الذكية.
تشير كلمة علم النفس أيضا إلى تطبيق هذه المعارف على مجالات مختلفة من النشاط الإنساني، بما فيها مشاكل الأفراد في الحياة اليومية ومعالجة الآمراض العقلية.
باختصار علم النفس هو الدراسات العلمية للسلوك والعقل والتفكير والشخصية، ويمكن تعريفه بأنه: "الدراسة العلمية لسلوك الكائنات الحية، وخصوصا الإنسان، وذلك بهدف التوصل إلى فهم هذا السلوك وتفسيره والتنبؤ به والتحكم فيه".
محتويات 1 التسمية
2 بداية علم النفس
3 تطور علم النفس
4 تاريخ علم النفس النمائي وطرائقه
5 الممارسات العملية وعلم النفس الأنمائي
6 تاريخ علم نفس الطفل 6.1 سير الأطفال
6.2 حركة دراسة الطفل
6.3 معاهد دراسة الطفل
التسمية
يرى العلماء أن جذور المصطلح الإنجليزي لعلم النفس تأتي من موضوعين هما: الفلسفة والفسيولوجيا، وكلمة سيكولوجية (نفسية) تأتي من الكلمة اليوناينة Psyche=engl.soul والتي تعني الروح وLogos وتعني دراسة العلم، وفي القرن السادس عشر كان معنى علم النفس "العلم الذي يدرس الروح أو الذي يدرس العقل"، وذلك للتمييز بين هذا الاصطلاح وعلم دراسة الجسد، ومنذ بداية القرن الثامن عشر زاد استعمال هذا الاصطلاح "سايكولوجية" وأصبح منتشرا.
بداية علم النفس
يعتبر علم النفس من العلوم الحديثة التي تم إنشاؤها وإدخالها لأول مرة في المختبرات في سنة 1879م على يد عالم النفس الألماني وليم فونت، وقد استخدم فونت (Vont) طريقة الاستبطان أو التأمل الذاتي لحل المشكلات وكشف الخبرات الشعورية، وأطلق فونت على هذا العلم اسم علم دراسة الخبرة الشعورية وبذلك يعتبر فونت هو المؤسس الحقيقي لعلم النفس، وهو الذي قام باستقلالية هذا العلم عن الفلسفة.
تطور علم النفس
أسس وليم فونت المدرسة البنائية في علم النفس معتمدا على عملية الاستبطان التي قامت على التعرف على مشكلات الشخص عن طريق الشخص نفسه, ومساعدته في حل هذه المشكلات, وتصحيح رؤيته لها, فعلى سبيل المثال هناك من يعتقد أن الله خلقه ليعاقبه أو لتكون نهايته في الجحيم "النار", وبناء على هذا الاعتقاد يتصرف بتمرد أو يأس أو يكون مضطهدا للمجتمع ومضادا له، فيتم استخدام طريقة الاستبطان مع هذا الشخص لتصحيح هذا الاعتقاد الخاطيء لديه، ولذلك طرق خاصه مخبرية علمية.
ولكن بعد ذلك جاء علماء آخرون انتقدوا طريقة فونت بالاستبطان, وقالوا إنها طريقة ذاتيه تعتمد على رأي الشخص نفسه ولا يمكن تعميمها، وكذلك تعتمد على رأي الباحث نفسه ورؤيته وحالته النفسية؛ فمن العلماء الذين انتقدوا المدرسة البنائية الأمريكي وليام جيمس؛ حيث ركز على وظائف الدماغ وتقسيماته, وماهي وظيفة أجزاء الدماغ؛ فمن وظائف الدماغ بشكل مختصر ومبسّط التفكير والإحساسات والانفعالات؛ حيث أن المنطقه الجبهية تتم فيها عمليات التفكير والتخيل والكلام والكتابة والحركة، وفي وسط الدماغ منطقة السمع وتفسير الإحساسات وإعطائها معنى، وفي المنطقة الخلفية للدماغ يقع الجهاز البصري, ووظيفته تفسير الإحساسات البصرية, وهناك منطقة تقع فوق الرقبه من الخلف مباشره تحتوي على المخيخ والنخاع المستطيل والوصلة، وهم مسؤولون عن توازن الجسم والتنفس وعمليات الهضم وضربات القلب والدوره الدموية.... إلخ، وأطلق على هذه المدرسة اسم المدرسة الوظيفية .
ثم بعد ذلك ظهر انتقاد آخر للمدرستين قائلا: "إن كان على علم النفس أن يكون علما صحيحا ومستقلا لايجب أن تتم دراسة ما لا يمكن رؤيته وغير ملموس وما كان افتراضيا, كالعقل والذكاء والتفكير, وذلك لأنها مجرد افتراضات لايمكن إثباتها علميا"، ومن العلماء المنتقدين للوظيفية الأمريكي جون واطسون الذي قال: "يجب دراسة السلوك (( الظاهر )) للإنسان أي ماهو ملموس ويمكن رؤيته"، وتطور بذلك علم النفس كثيرا بعد ظهور هذه المدرسة وهي المدرسة السلوكية، ومن رواد هذه المدرسة عالم النفس الشهير الروسي بافلوف، مؤسس نظرية التعلم الذي أجرى اختبارات مخبرية؛ فقد لاحظ بافلوف أن سيلان لعاب الكلب يرتبط بتقديم الطعام له؛ فقام بتجربه والمتمثلة في: قرع جرس قبل تقديم الطعام, ثم يلحقها بالإطعام فيسيل اللعاب، وبعد تكرار هذه التجربه بدأ يسيل لعاب الكلب لمجرد سماع الجرس دون تقديم الطعام وهذا ما أطلق عليه تعلم شرطي.
تاريخ علم النفس النمائي وطرائقه
تأخر ظهور علم النفس النمائي كثيراً عن علم النفس العام الذي يرجع لقرن مضى، غير أن بذور ذلك العلم المتمثلة بالممارسات التربوية، قد رافقت ظهور الكتابة إن لم نقل الإنسان. فلقد أمر الصبيان المصريون منذ ( 3500 ) سنة أن (( اعملوا، وافتحوا أعينكم وإلا أصبحتم شحاذين لأن العاطل عن العمل ليس له شرف ... واحترسوا لكلامكم لأن دمار الإنسان في لسانه )) .
ولقد هيأت الممارسات التربوية في مختلف المجتمعات الأرضية الملائمة التي نشأ فيها علم النفس النمائي. .....
الممارسات العملية وعلم النفس الأنمائي
ترجع الأفكار حول التربية العامة والحرة إلى العهود اليونانية والرومانية، فقد نشأ مفهوم التربية الحرة في اليونان تدريجياً، وعدت تلك التربية حرة للتوزيع المتوازن الذي ألحقته بالعقل والجسم 0 وتمثل الهدف الأساسي للتربية اليونانية في إعداد الفرد في إطار طبيعته الخاصة ليكون مواطناً للدولة 0
وأصر أرسطو على أن تمتد التربية من الولادة حتى السن الواحدة والعشرين، غير أنه رأى أن تمارس التربية التقليدية في بدايات البلوغ فيتعلم الأولاد القراءة والكتابة والحساب على أساس أن هذه المواد تشكل المنطلق المبدئي والعميق للدراسات اللاحقة ولم ينسَ أرسطو أهمية العلوم السياسية وعلم النفس، فاعتقد شأن أفلاطون أن دراسة تلك المواد تشحذ القدرات العقلية 0
ونشأت الممارسات التربوية الرومانية أبان صعود الإمبراطورية الرومانية واستمرت خلال فترات انحطاطها دون أن تحاول تبني مفهوم التربية الحرة التي تميزت بها الحضارة اليونانية، فلم يهتم الرومان كثيراً بالتربية البدنية التي كانت بمثابة العمود الفقري للتربية اليونانية، بل كانوا يهدفون إلى صناعة الخطيب الذي يجب أن يكون على إلمام تام بالفلسفة والقانون والأدب ولقد تصور الرومان الخطيب رجلاً مثقفاً وماهراً في صناعة الكلام 0
وتشابهت المؤسستان التربويتان اليونانية والرومانية، على الرغم من الاختلافات الكثيرة التي أشرنا إلى بعضها، فقد كان الأولاد الرومانيون يلتحقون بالمدرسة الابتدائية بدءاً من السنة السابعة ويستمرون فيها حتى السنة الثانية عشرة حيث يتعلمون القراءة والكتابة والحساب وبعض جوانب القانون الروماني 0
وكان الصبيان بعد السنة الثانية عشرة يرسلون إلى مدارس النحو حيث يطلعون على الكتابات النثرية، والشعر والمسرحية ويدرسون التاريخ والجغرافيا والأسطورة وكادت مدارس النحو الرومانية تماثل مفهوم التربية الحرة لدى اليونان .
كان صبيان روما بعد إتمام مدارس النحو في السنة السادسة عشرة، يرسلون إلى مدرسة البلاغة التي تقوم على الاستفادة مما تعلمه الفتى في مدرسة النحو لإجادة الحوار وإثارة حماسة الجماهير والتغلب على الخصم وسرعان ما تبلورت تلك الأساليب خاصة في عصر انحطاط روما، بصورة قواعد جامدة شملت مظاهر الخطابة كلها .
وبعد انحطاط روما وظهور المسيحية برزت طرق وأنظمة تربوية جديدة، فقد أبدلت المسيحية الكنيسة بالدولة، ودفعتها إلى إقامة محاكمها وسجونها وأملاكها وإلى السيطرة على التربيتين : الدينية والعلمانية، ومارست الكنيسة سلطتها على التربية حتى مطلع القرن الثاني عشر حيث تراخت قبضتها على المواطن مشيرة بذلك إلى بداية نهاية القرون الوسطى .
هدفت الكنيسة -في أوربا والدول المسيحية كاتجاه عقدي بشري- إلى إعداد الفرد لخدمة الله والكنيسة وأخيه الإنسان وروحه ذاتها، الأمر الذي أبعد عن فكر القرون الوسطى مفهوم التربية الحرة اليونانية ذلك لأن الحرية تتعارض مع ما تتطلبه التربية الكنسية في الفرد من تواضع وخضوع وتنوعت البرامج المدرسية وتراخت أو تفككت خلال القرون الوسطى وقامت المدرسة الكاتدرائية إلى جانب المدرسة الرومانية التي سبقت الإشارة إليها. وفي الكاتدرائية كان الأولاد يتعلمون القراءة والكتابة ويحفظون المزامير وبعض الحساب، وكانت الدروس تشرح باللاتينية التي اعتاد التلاميذ حفظها دون فهم، أما في المرحلة الثانوية فقد كان الأولاد يعلمون الفنون السبعة بهدف إعدادهم لدراسة الكتاب المقدس وتفسيره وشملت تلك الفنون النحو والبلاغة والجدل ( الدراسات الدنيا ) والحساب والهندسة والموسيقا والفلك ( الدراسات العليا ) .
إن تصور الفكر الوسيط للإنسان بعده كائناً خلقياً دينياً قد صبغ جوانب التربية الأخرى كلها المرتبطة بالمدرسة، فمنعت الرياضة والرقص والتمارين خشية أن تعمل على تقوية الجسم المثقل بالخطيئة والغرائز الحيوانية، وحوربت الرغبات الإنسانية الفردية وأجبر الفرد على الخضوع للسلطات الدينية وقد عدلت طرق التربية ومحتواها لتؤدي إلى تعليم الإنسان النظام الديني والخلقي والعقلي، فتحولت التربية من فعالية لخدمة الإنسان في واقعه الراهن إلى إعداده للحياة الأخرى .
ومع بداية تدهور الكنيسة وإشراقة عصر النهضة عمد الفلاسفة إلى إعادة النظر في الواقع الإنساني فتطلعوا إلى الطبيعة وأهملوا السلطة وجعلوا هدف التربية إعداد الأولاد للسعادة في الحياة وليس في الآخرة كديانة مسيحية 0 وامتدت يد الكهنوت ومن في واقعهم إلى الفتاة فأعطتها ما أعطت الصبيان من حق في التربية والإعداد للحياة، الأمر الذي رفع من قيمة المرأة الأم وعدها المعلم الأول .
راد كومينيوس ( J.A. Comenis ) ( 1592 – 1670 ) الثورة التربوية فطرح مبدأ ( التربية وفق الطبيعة ) ودعا إلى تجنيب ابن السادسة المدارس التي تعلم باللغة اليونانية أو الرومانية ونادى بالتعليم الإلزامي حتى السنة الثانية عشرة في مدارس تقدم علومها باللغة الأم وتهيئ غالبية الأولاد للعمل في المجتمع، وقد أكد كومينيوس أن على النخبة القليلة من المتعلمين أن ينتقلوا في سن مبكرة جداً إلى الجامعة واتصفت دعوته بالشمولية لأنه قدم مخططاً تربوياً يبدأ بالطفولة وينتهي بالدراسات العليا، إلا أن الباحثين انتقدوا كومينيوس لاهتمامه بتربية أبناء الأثرياء دون أبناء الفقراء .
تابع كل من لوك ( 1632 – 1704 ) وروسو ( 1712 – 1778 ) الثورة التربوية التي قادها كومينيوس وأكدا على فكرة إعداد الطفل بصورة ملائمة لحياة الرجولة المنتجة وتحمل المسؤولية وتكمن مهمة التربية بنظر لوك في صناعة ( عقل سليم في جسم سليم ) لهذا فقد اقترح نظاماً اسبارطياً يدفع الأولاد لطاعة النظام من طرف والانسياق مع العقل من طرف آخر وقد عد لوك عقل الطفل صفحة بيضاء تنطبع عليها التجارب فتحدد مصير الطفل ومستقبل حياته برمتها وأولى انتقاء التجربة المفيدة للطفل أهمية بالغة .
وغاير فهم روسو لعملية التربية فهم لوك لها، إذ أنه بسبب خبرته كمعلم توصل إلى نتائج ثورية بصدد التربية وأرسى ذلك الفيلسوف في كتابه الشهير (( أميل )) (1855 ) الأسس الجوهرية لما عرف فيما بعد بالتربية التقدمية، ورأى أن على التربية أن تتلاءم مع حاجات الأولاد وقدراتهم بدلاً من أن تكون استجابة لنزوات الراشد واستطالة لمعتقداته الخاطئة عن طبيعة الفعل والحياة فدعا روسو إلى تربية تقوم على الخبرة (( احذر أن تستبدل الشيء بالكلمة ... حيث لا يستحيل إحضار الشيء ... إننا نهب الكلمات قدرة مفرطة... دع دروس الصغار تأخذ صيغة الفعل لا القول )) ( روسو – الترجمة الإنكليزية 1955 ) .
كان روسو بمعنى ما، رائد علم نفس الطفل فقد لاحظ الصغار بعناية وخبر كيف يسلكون ويتعلمون وحاول ملاءمة التربية للمستوى النمائي للأولاد واتبع عدد كبير من المربين المشهورين نمط روسو في التربية فعرفوا بأصحاب النزعة الطبيعية في تربية الطفل وعلى الرغم من استقلال علم نفس الطفل عن التربية بعد روسو فقد أقام عالم نفس الطفل الشهير (( بياجيه )) Piaget بدءاً من عام 1960 حلقات وصل جديدة وقوية بين ظواهر النمو وفعاليات التربية .
وسرعان ما تبع السويسري بستالوتزي ( 1746- 1827 ) خطا سلفه روسو فقد ألهم روسو في كتابه (( أميل )) من خلفه من المربين فأقاموا عدداً من المدارس المتركزة حول الطفل لكن سوء الحظ وضعف الموهبة الإدارية عند بستالوتزي قد جعلا أفكاره ومدارسه قصيرة تماماً .
جعل بستالوتزي من مدرسته في (( أفردون )) نمطاً مدرسياً يحتذى كانت أفردون مدرسة داخلية جمع منهاجها الدقة إلى المرونة وقسم بستالوتزي اليوم الدرسي إلى فترتين : صباحية ومسائية تتخللهما راحة عند الظهيرة وخصص فترة الصباح لدراسة المواد الصعبة وترك فترة المساء للمواد العملية السهلة وذلك لاعتقاده بوضوح الذهن في الصباح وتغيمه الناجم عن التعب في المساء وأصبحت مدرسة أفردون مثالاً يحتذيه المبدعون في التربية ويحفزهم على المزيد من الإبداع التربوي .
طبق بستالوتزي فكرة روسو التي تؤكد ضرورة تعليم الأولاد بطريق الخبرة والممارسة النشطة وليس بالحفظ فكان يعرض الأشياء على الصغار ويمطرهم بالأسئلة آملاً أن تتحقق الفائدة في اكتساب الصغار العلم والمعرفة وتميزت قيادة بستالوتزي لتلك الدروس بقدرة المربي على تحريك روح الإبداع والخلق في الأولاد، ولأسئلة بستالوتزي ديناميكيتها المتميزة على الرغم من تشابه طبيعتها الخارجية مع نظيرتها لمرب آخر، يسأل بستالوتزي الأولاد مثلاً ملاحظة النباتات وتصنيفها فيبدعون ويسألهم الآخرون الشيء نفسه فينقلب الأمر تعلماً آلياً وحفظاً مملاً .
استمر فعل بستالوتزي في التربية عبر تلميذه فروبل ( 1782- 1852 ) ذي الأصل الألماني لم يستطع فروبل أن يصير معلماً إلا عندما بلغ الثلاثين من عمره وذلك بسبب نشأة مضطربة في الطفولة والمراهقة. ولم يختلف حال فروبل عن حال أستاذه بستالوتزي فقد أنشأ عدداً من المدارس أغلقت جميعها ما عدا إحداها التي انقلبت داراً للحضانة وأعطت فروبل شهرته التاريخية كواحد من أهم رواد العمل التربوي في العالم .
ظل الكثير من أفكار فروبل ملائماً للزمن خلال قرن بعد وفاته ومنها ما بقي كذلك حتى عصرنا هذا لقد وضع فروبل أغنيات تنشدها الأمهات لأولادهن وألعاباً ما زال الكثير من برامج التربية المعاصرة يدعو إلى إقامتها بين الأولاد والأهل كان الطفل ينظر إلى تكوين مفاهيم مجردة وشاملة وتجسدت التجربة الفروبلية في اللعب والعمل وعفوية العلاقة البشرية وفي كل ما يعارض فكرة عد الطفل راشداً صغيراً .
لقد كان فروبل يدعو إلى تربية طبيعية سرعان ما طورها ودفعها إلى الأمام عالم التطور الفذ (( شارل دارون )) وتعد نظرية دارون التي نشرت عام 1859 بعد سبع سنوات من وفاة فروبل واحدة من أهم الحوادث المؤثرة في تاريخ علم نفس الطفل فلقد قادت نظريته عن التطور إلى منهج طبيعي بصدد سلوك الطفل والنمو الإنساني وقد مكن عد الإنسان حلقة دقيقة في سلسلة حيوانية متواصلة من دراسة الأطفال كظاهرة طبيعية وهو أمر ما كان ليحدث لو بقي الطفل مخلوقاً رفيعاً .
ومن حسن حظ علم نفس الطفل أن اقترن ظهور الدارونية بأحداث أخرى ساعدت على تصعيد الاهتمام به وتعود تلك الأحداث لأسباب ترجع لعمل دارون ولتطور المعرفة الطبية ولبروز الاهتمام الجديد بسعادة الطفل من جهة أخرى فقد نقم الناس على استغلال أرباب العمل للأطفال وتشغيلهم بأجور رخيصة في دراهم محدودة، وأدت تلك العوامل مجتمعة إلى ظهور حركة إصلاحية في منتصف القرن التاسع عشر تهدف إلى حماية الأطفال وإسعادهم وقد وضعت الحركة المشار إليها أسس مراكز الوقاية اليومية وإصلاحيات الأحداث ومراكز لرعاية الأطفال الرضع للأمهات العاملات ومؤسسات تعليم متخلفي العقول والمضطربين .
وبذلك تحطم القيد الذي ضربه الفكر الوسيط على تلك المؤسسات لتعارضها مع أفكار الخطيئة والعقاب التي شوهت الفكر الإنساني إبان العصور الوسطى لقد شجعت نظرية دارون وتطور المعرفة الطبية ثورة الناس على الفكر الوسيط ودفعتهم لعد الخطيئة عملاً طبيعياً يأتيه إنسان طبيعي في وضع شاذ وهذا الأمر أدى إلى نشوء الحركات الإنسانية الهادفة إلى تحييد الإنسان وإلى إقامة علم نفس الطفل كمنهج يساعد على الفهم الموضوعي للظواهر النفسية في منظورها التطوري وعلى السيطرة على تلك الظواهر لوقايتها من الانسياقات الشاذة.
تاريخ علم نفس الطفل
ظهر علم نفس الطفل خلافاً لأكثر العلوم الأخرى استجابة لمطالب حقول متعددة في معرفة منهجية حول الأطفال فقد كانت ثمة حاجة ملحة إلى أداة تفيد في تمييز الذكي عن متخلف العقل كما برزت الحاجة إلى طرق ناجعة لتربية الأطفال ووسائل مجدية لتحقيق تلك الطرق وتحولت الممارسات السلوكية للمربين إلى (( علم منهجي )) متحرر من المطالب النفعية التي دفعت إلى خلق العلم المذكور وتدفعنا القعة الأخيرة للاعتقاد بأن على علم النفس كي تبقى له الحيوية والفاعلية التي عرفها في النصف الأخير من القرن الحالي أن يهتم بالمسائل النظرية إضافة إلى اهتمامه بالمشكلات ذات الطبيعة العملية .
أصول الدراسات المعرفية واللغوية في علم نفس الطفل. تعددت الأصول التي أسهمت في إنشاء علم نفس الطفل فشملت سير الأطفال وحركة دراسة الأطفال ومعاهد رعايتهم .
سير الأطفال
إن أول البحوث المنهجية عن الأطفال أجريت من قبل أهلهم ففي سنة ( 1774 ) نشر بستالوتزي Pestalozzi مذكراته التي كان يكتبها عن حياة طفله البالغ من العمر ثلاث سنوات ونصف السنة ولعل هذه المذكرات هي أول ما نشر في العالم عن تراجم الأطفال .
وفي سنة 1787 نشر تيدمان Tiedemann ملاحظاته عن نمو طفله فريدريك وخاصة في السنتين الأولى من حياته وتتميز هذه الدراسة بالدقة العلمية التي نراها الآن في الأبحاث الحديثة .
وفي سنة 1826 نشر فروبل Frobel أول مؤسس لرياض الأطفال في العالم كتابه المشهور (( تربية الإنسان )) وكانت مادة دراسته تلك تعتمد في جوهرها على ملاحظة سلوك الأطفال ورصده في البيت والمدرسة معاً. ( السيد 1975، ص28 )
وعمد تشارلز داروين Darwin إلى حفظ مفكرة يومية حول صبيه الرضيع في سنة 1840 إلا أنه لم يحاول طباعة تلك المفكرة إلا بعد ثلاثين عاماً من كتابتها وقد اهتم داروين بالمظاهر التطورية لسلوك الطفل وعلاقة ذلك السلوك بنظيره الحيواني ولمفكرة داروين مع أعماله الأخرى مكانة رفيعة في علم النفس المقارن اليوم .
وفي سنة 1876 نشر العالم الفرنسي تين Taine ملاحظاته عن النمو اللغوي لابنته وذلك خلال السنوات الست الأولى من حياتها .
وسجل عالم النفس برير Breyer في كتابه (( عقل الطفل )) مسار نمو ابنه خلال السنوات الأربع الأولى من حياته وقد اهتم مبدئياً بدراسة السلوك الارتكاسي وبأثر الخبرة والتدريب في تعديل ضروب ذلك السلوك وقد دأب برير بالإضافة إلى دراسة السلوك الارتكاسي على ملاحظة العديد من الظواهر السلوكية الأخرى مثل لغة الطفل ولعبه وعلى الرغم من أن برير لم يعمد دوماً إلى عزل ملاحظاته عن استدلالاته فإن عمله ما زال يحتفظ بقيمة علمية رفيعة .
-- نذكر من دارسي السيرة أيضاً، الكوت، وشين، حيث أضافت الأخيرة بعض الروائز إلى منهج السيرة ووسع سالي منهج السيرة بدراسة سير أطفال الآخرين بالإضافة إلى دراسة سيرة ابنه ووضع نتيجة لذلك كتابه المعروف في علم نفس الطفل .
وعلى الرغم من أن العلماء يعدون بياجه الأب الروحي لعلم نفس الطفل فإن بالدوين كان قد سبقه إلى ملاحظة الأطفال من جهة ثانية كان الباحثون في حقول اللغة والحركة والإحساس أفضل كتبة السيرة الذين أثروا في الباحثين اللاحقين وفي علم نفس الطفل ذاته .
عانى كتبة السيرة ومنهجهم الكثير من ضروب النقص التي تمثلت في الجوانب التالية :
1- قلة عدد الأولاد الذين درسوهم .
2- ميوعة ملاحظاتهم وانفلات أغلبها من زمام التوجيه العلمي .
3- ذاتية الملاحظين .
وعلى الرغم من صنوف النقص المذكورة فقد بقيت كتابة السيرة واحدة من أهم مناهج ( علم نفس الطفل ) الذي يتصف بدرجة معقولة من الموضوعية .
ويتمثل دليلنا على ذلك ببياجه الذي اعتمد منهج السيرة وخرج منه بعدد من الكتب ما زالت توجه الأبحاث المعاصرة في علم النفس وتثير الجدل بين الباحثين النظريين في مجال النمو الإنساني .
حركة دراسة الطفل
دلل كتبة الأطفال على اهتمام علمي متصاعد بدراسة الطفل خلال القرن التاسع عشر وشكلوا حركة رائدة للمنهجين النمائي والتجريبي في علم النفس أما الخطوة الثانية فقامت بظهور ستانلي هال عالم النفس الأمريكي الذي أسهم في نشوء رابطة علماء النفس الأمريكيين وعدد من الدوريات العلمية التي ضمت مجلة علم النفس التكويني.
أنشأ هال حركة دراسة الطفل التي لم تدم طويلاً والتي عملت على اكتشاف نمو التفكير لدى الطفل وربما رجع السبب في موت تلك الحركة إلى النظرية التي اعتمدها الباحث والتي تجعل من نمو التفكير لدى الطفل محاكاة لنمو الفكر البشري .
وقد قام هال في عام 1980 بالإشراف على عدد كبير من الدراسات المعتمدة على الاستجواب ( Questionnaire ) حول وجهات نظر الأطفال بصدد كل شيء بدءاً من الموت وانتهاء بالجنس وتميز تدريب هال للباحثين في الفترة الأولى بالجدية والرصانة خلافاً للمراحل الأخيرة التي خلت منهما الأمر الذي جعل الباحثين يشكون في قيمة النتائج التي قامت على استجوابات الفترة الأخيرة من تلك الحركة .
وجهت حركة دراسة الطفل على الرغم من الانتقادات التي تعرضت لها اهتمام الناس وشعورهم بالحاجة إلى توفير وقائع موضوعية حول الأطفال ولقد أمل هان بأن مثل تلك المعرفة الموضوعية ستقود بالضرورة إلى وضع الأسس الصحيحة لعلم نفس جديد وهو أمر لم يتم فكل ما فعلته حركة دراسة الطفل هو شق الطريق نحو إقامة معاهد لدراسة الأطفال في الجامعات الأساسية في الولايات المتحدة وهو ما يشكل الخطوة الثانية في الحركة العلمية لدراسة الطفل في أمريكا .
معاهد دراسة الطفل
اقتفى سيرز آثار المعاهد المشار إليها وعد السيدة كورا بريسي هيلز أهم رواد الحركة المذكورة اعتقدت هيلز أنه إن أمكن للبحث العلمي أن يصل إلى تحسين الأبقار فإنه يجب عليه أن يتمكن من تحسين الأطفال ( سيرز 1975، ص19 ) .
وقد صرفت هيلز قصارى جهدها لإقامة معاهد لدراسة الطفل في جامعة آيوا مشابهة للمعاهد الزراعية .
بدأت السيدة هيلز عملها عام 1906 إلا أن محاولة إقامة معهد رعاية الطفل في جامعة آيوا لم تنجح إلا بعد مرور حقبة كاملة جسدت الحرب الكونية الأولى نهايتها.0 وكانت للمعهد الذي أقامته السيدة هيلز ثلاث وظائف هي البحث والتعليم وتوفير المعلومات
عملت الحرب العالمية الأولى على إثارة اهتمام المسؤولين والناس بمشكلات الأطفال ولم يرجع الاهتمام المشار إليه إلى الأعداد الضخمة من يتامى تلك الحرب بل إلى بروز حقيقة أساسية ارتبطت بعملية روز المجندين وأشارت إلى ارتباط الأمراض النفسية بمشكلات التنشئة السيئة .
إلا أن الهوة بين اهتمامات المسؤولين الحكوميين والناس كانت ما زالت عميقة إذ لم يواز اهتمام الحكومة بمعاهد الطفل نظيره لدى الناس فقد دفعت السيدة روكفلر مبلغ /12/ مليون دولار لإقامة معاهد لدراسة الطفل وتحقيق الوظائف المذكورة آنفاً وكان لا بد لتوسيع تلك المعاهد من إثارة اهتمام أكبر عدد من الآباء المحسنين .
يعد الاقتصادي الأمريكي لورانس فرانك شخصية حاسمة عملت على توسيع معاهد دراسة الأطفال وإقامتها على أسس علمية سليمة وذلك بسبب اهتمامه المفرط بسعادة الأطفال وسخائه في البذل في هذا المجال. فلقد كرس فرانك حياته لجمع التبرعات لدعم المعاهد الهادفة إلى دراسة نمو الطفل ورعايته إضافة إلى دفعه لعدد من الباحثين متنوعي المشارب للعمل بصورة جماعية . لذلك يصح القول إن فرانك أسس المعاهد وعمرها بعلماء النفس المتعاونين لإنجاز المشروع العلمي الكبير وقد أدى دعم الأرصدة المجمعة في مؤسسة روكفلر إلى توسيع معاهد دراسة الطفل فأنشئ معهد دراسة الطفل في كلية المعلمين في جامعة كولومبيا عام 1924 ومعهد رعاية الطفل في جامعة منسوتا عام 1925 ومعهد دراسة الطفل في جامعة بال عام 1928 على يد أرنولد جيزل تلميذ هال الذي بدأ دراسة الطفل منذ 1911 هذا بالإضافة إلى معهد نمو الطفل في جامعة بيركلي، وعملت تلك المعاهد على إقامة حركة وطيدة ومنظمة لدراسة نمو الطفل تمثلت خاصة في برامج الدراسات العليا التي خرجت أعداداً ضخمة من الدارسين انطلقوا للعمل في كليات أمريكا وجامعاتها كلها فبرز علم نفس الطفل كعلم منهجي في عام 1930 .
ملاحظة هذا العرض يبين أن اوربا بين الدولة والكنيسة كانا يتصا يتصارعان علي من يغلب منهما وكلاهما خطأ في تفاعلاتهما لابتعادهما عن دين الاسلام الحق .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق